مدارات

فتيات يسكنّ بعيدا عن المجتمع / تضامن عبد المحسن

دار تأهيل الأحداث الإناث المشردات الكائنة في الاعظمية، رغم ما توفره من خدمات للفتيات المشردات إلا أنها تغفل عن جانب نفسي مهم هو دمج الفتاة بالمجتمع المحيط بها.
فخلف جدران تلك الدار تقبع فتيات عاقبتهن الإجراءات القانونية فضلا عن تعرضهن للعنف الأسري من قبل المجتمع أو الأسرة، فهي سجينة منذ سنوات عدة لا ذنب لها سوى أنها لا تمتلك عائلة تؤويها. ولعل ضعف وغياب البرامج الاجتماعية والتربوية من المؤسسات المعنية بهن سبب آخر في عزلهن بعيدا عن الاندماج بالمجتمع.
مديرة الدار السيدة رقية نجم تحدثت عن طبيعة عمل الدار وما توفره للنزيلة، قائلة: توفر الدار المسكن الصحي والبيت الآمن والطعام الجاهز كما تم افتتاح صف مدرسي للمرحلة الابتدائية وافتتاح ورشة عمل للخياطة والحلاقة والحاسوب وهناك صف رياضي صباحي. وتضيف بقولها إن دخول الفتاة للدار يكون وفق أمر قضائي والتي يتم العثور عليها بدون مأوى أو متسولة أو تعمل في الملاهي الليلية. وتتابع بقولها: حاليا تضم الدار 29 فتاة تبدأ أعمارهن بسن الثمان سنوات وتخرج بقرار قضائي، لكي يتسلمها ولي أمرها إن وجد، وهناك بعض الحالات التي تبقى فيها الفتاة لحين إكمال سن الـ22 سنة، حيث لا يحق لها الخروج قبل هذا الوقت. وتبين السيدة نجم عن وجود حالات لا تجد فيها الفتاة ملجأ تذهب إليه بعد قرار القضاء بخروجها من الدار، مما يضطر المكلفين بادارة الدار لتوفير عمل لها كمتطوعة.
فالمستفيدة نور خيري (19عاماً) تقول: كنت إحدى المستفيدات من دار زهور الاعظمية للأيتام، وكوني افتقد للمأوى، بقيت للعمل كمتطوعة. وتقول بأسى: أنا هنا منذ كان عمري ثلاث سنوات، وافتقد التواجد ضمن عائلة وأهل، كما أتمنى لو يسمح لنا بالخروج للتنزه ومشاهدة معالم بغداد فقط. وحسب قول السيدة رقية نجم، لا يحق للنزيلات ترك الدار لأغراض الترفيه حتى إن كان بحماية قوة أمنية، في حين تقوم الدار بتسهيل اللقاء بين الفتاة الفارة من بيتها وأسرتها في محاولة لإعادتها الى البيت ضمن برنامج الدمج الأسري الذي تتبعه الدار، كما حالة الفتاة (رباب) حيث هربت من البيت بسبب حصولها على درجات متدنية، وخوفا من عقوبة الأهل فرت من أسرتها، وبعدها تم إلقاء القبض عليها وإدخالها الدار حيث أدخلت برنامج الدمج الأسري، وإعادتها الى أسرتها وذويها.فيما الباحثة الاجتماعية هجران محسن تؤكد: إن المستفيدات وبرغم توفير احتياجاتهن من المأكل والملبس بشكل جيد هنا إلا إنهن يعانين من مشاكل نفسية كبيرة بسبب عدم السماح لهن بالخروج في نزهات أو جولات خارج أسوار الدار طيلة فترة إقامتهن فيها، وقد تزيد على عشر سنوات لبعضهن. وأضافت بقولها: المستفيدات هنا لا يشعرن بطعم الحياة، ولا العمل ولا التفوق كونهن حبيسات جدران الدار، وبعضهن لا يعرف شكل الحياة الاجتماعية إلا عبر مسلسلات التلفزيون وما تقدمه برامج الفضائيات العراقية.
أما الناشطة النسوية سعاد عبد الله فتعترض على لفظة المشردة واعتبرتها قاسية مطالبة الجهات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين باستبدالها "لان هذه اللفظة وحدها تمثل عنفا يقع على المرأة".وأشارت في حديثها إلى ضرورة التواصل مع نزيلات الدار من خلال زيارتهن بشكل دوري، والسعي من اجل خلق تعاون فني بين المتميزات في ورشة العمل ولجنة المرأة في وزارة الثقافة لإقامة معرض فني يتم فيه عرض الأعمال التي قامت بها النزيلات.أخيرا.. يبدو أن دار تأهيل المشردات ما تزال تعمل وفق قانون نظام دور التأهيل رقم 32 لسنة 1971 والخاص بالأحداث المشردين، وهو قانون عفا عليه الزمن، ولا يخدم فئة الأحداث للاستفادة من طاقاتهم في خدمة بناء البلد، بل يقف عائقا أمام تقديم الخدمات الاجتماعية والرعاية المطلوبة، علاوة على قدم الكثير من فقراته والتي لا تتماشى مع تغيرات الحياة الاجتماعية والتطور المعرفي في العالم.