مدارات

انفلات أسعار النقل الخاص / رياض عبيد سعودي

ارتفعت أسعار النقل الخاص خلال السنوات الأخيرة بصورة حادة لتتضاعف مرات عدة، لعدم وجود رقابة حكومية مؤثرة، زد على ذلك فرض رسوم على أصحاب السيارات من قبل هيئة النقل بدون تشريعات تخولها ذلك، ونشر مفارز عند أبواب الكراجات وفي مناطق أخرى تتعامل بصورة قسرية مع السائقين، بعيدة عن كل أنماط التعامل الإنساني.
فهي تتصيد السيارات في مواقف معينة وتسحب «سنوية» السيارة لإجبار السائق على دفع ما تحدده هي بموجب تعليمات غير مقترنة بموافقة الجهات العليا، فهي تفرض جزافاً رسوماً سنوية تعود فيها إلى موديل السيارة، وهذا يعني أن السائق يجب أن يدفع رسوم عشر سنوات مثلاً إذا كان موديل سيارته يعود إلى 2003.
ورغم ما يثيره هذا الإجراء من سخط أصحاب السيارات، إلا أن هيئة النقل ترجع ذلك الى ضرورات تنظيم انسيابية السيارات نحو خطوط النقل، وهذه كلمة حق يراد بها باطل.
ومن المعروف أن هذا ليس هو العامل الوحيد الذي اثر على الأسعار، فارتفاع أسعار الوقود وتصاعد قيمة السيارات الحديثة التي دخلت إلى منظومة النقل وغيرها من العوامل الاقتصادية، كانت عوامل إضافية إن لم نقل رئيسية.
أما العامل الحاكم فهو أن أسعار النقل أصبحت بيد صاحب السيارة أو السائق دون أي تدخل حكومي في تحديد الرقابة على الأسعار، ومن الضروري التذكير بان أسعار النقل بين مناطق محافظة بغداد على الأقل كانت قبل فترة لا تزيد على 250 ديناراً كمعدل، أصبحت الآن لا تقل عن ألف دينار أي تضاعفت ثلاث مرات أو أكثر هذا من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت أجور النقل بين محافظة بغداد ومحافظات الجنوب تصل في بعض أنواع السيارات إلى 25 ألف دينار خاصة بالنسبة للسيارات الصالون مقارنة بما كانت قبل 5 سنوات حيث لم تزد على 5 آلاف دينار، في حين أصبحت أجرة النقل في السيارات التي لا يقل عدد ركابها على عشرة أشخاص يحدد بـ15 ألف دينار في مقابل 3-5 آلاف دينار كانت قبل عام 2003 وبشكل مؤثر بقوة في أسعار النقل والذي كان بحدود نصف أجرة النقل في ذلك الوقت.
ومهما يكن من الأمر فان الزيادات في أسعار النقل عالية جدا، ما تستوجبه حقيقة التغييرات في كلفة هذه الخدمات، وهي بالنتيجة النهائية تؤثر سلباً على كلفة المعيشة للمواطن، وهي لا تقف عند هذا القطاع فقط، بل تقود الى ارتفاعات في أسعار سلع وخدمات القطاعات الأخرى.
ويبدو أن الحكومة عندما اعتمدت فلسفة اقتصاد السوق في إدارة النشاط الاقتصادي، فانها تعتقد خطأ، أن عليها ترك السوق دون أي تدخل تنظيمي أو تشريعي لفرض حالة من الاستقرار فيه أو منع صور الاحتكار لاعتبارات المنافسة غير التامة.
إن التدخل الحكومي لضبط السوق ضرورة ملحة، وإلا فان ترك الأمور على ما هي عليه، يعني مزيداً من الانتهاك لحقوق المواطن الاقتصادية، لان المتعاملين في السوق يبحثون دائماً عن أعلى مردود وبأي وسيلة كانت. كما أن وقوف بعض الهيئات الحكومية موقف المتفرج وفي أحيان الساكت عما يجري في السوق، يعزز بالنتيجة النهائية حالات التعسف في تحقيق مصالح أطراف السوق على حساب عامة الناس.
فالسكوت مثلاً عن ارتفاع أجرة نقل الأشخاص يدفع أصحاب المركبات إلى حالة من ابتزاز المواطن سيما في الظروف غير الاعتيادية.
وما يعزز هذا الاعتقاد أن الزيادة الكبيرة في استيراد السيارات من جميع الأنواع بعد عام 2003 يعني زيادة في عرض هذه الخدمة، وبالتالي خفض الأسعار، وهذا هو المنطق الاقتصادي الذي هو سمة من سمات اقتصاد السوق، ولكن إرادات أصحاب السيارات وحالة الاحتكار التي يتسم بها عرض هذه الخدمة كانت أقوى من ضرورات السوق.
سيستمر هذا الانفلات في أسعار النقل، باستمرار غياب مؤسسة حكومية متخصصة تأخذ على عاتقها تحديد الأسعار ومراقبة أوضاع كراجات النقل، وليس الاكتفاء بجباية الإتاوات التي يتحملها المواطن بالنتيجة النهائية من خلال الأسعار القسرية التي يلجأ إليها أصحاب المركبات.
ومن جانب آخر، فان أحد العوامل الرئيسية التي تسمح للنقل الخاص أن يتمادى في رفع أسعاره هو شبه الغياب للنقل العام. وهو ما يجب أن يحظى باهتمام أكبر وأن يتم توفير التخصيصات اللازمة لمشاريعه.
أكثر من 2000 معمل هالك وغير مدعوم