مدارات

فاعلية الإدارة في منع الفساد المالي والإداري / عماد محمد جوادان

عواصف الفساد المالي والإداري التي اجتاحت كل مفاصل الدولة العراقية تحولت الى إشكالية كبرى بحيث أصبح من العسير على الدولة معالجتها لأن مداها احتل الأبعاد الأربعة عموديا وأفقيا, فأقطاب الفساد أصبحوا من القوة بمكان بحيث لا تستطيع الدولة بأجهزتها الراهنة القضائية والإدارية أن تضع حدا لهذا التيار العارم بسبب ترهل الجهاز الإداري ووقوف المفسدين في قمة هذا الجهاز أما الجهاز القضائي فهناك ثقل سياسي جاثم على صدره وبالتالي ففي ظل التسييس وأجواء التهديد لا يستطيع القيام بدوره بصورة حيادية بالإضافة الى أن الجهاز الإداري هو من يحيل قضايا الفساد الى القضاء فكيف ينظر القضاء في قضية مقزمة ومقضومة الأدلة والقرائن التي أخذت مكانها في سلال المهملات.
هذه من جهة ومن جهة أخرى فلم يستطع الفاسدون أن يتناسلوا لو ان الحلقات الحسابية والتدقيقية قد قامت بواجباتها وفقا للقوانين والتعليمات.
فالإدارة الفعالة من خلال توقعاتها في المستقبل وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات وفساد إداري ومالي ومردودات سلبية على كفاءة الأداء وتصورها الأهداف التي يراد الوصول إليها تستطيع اكتشاف المعوقات التي تحول دون تحقيق أهدافها وتحديد الحلقات الإدارية المترهلة والعاجزة عن اكتشاف الخلل في العملية الإدارية حيث أن الإدارة عبارة عن قيادة وقاعدة وهيكلية تنظيمية معقدة ينظم العلاقة بين حلقاتها المختلفة قانون ونظام وتعليمات كلها تتمتع بمسؤوليات وصلاحيات وكل هذه المنظومة من التشريعات بحاجة الى مراجعة بين فترة وأخرى من اجل الاستجابة الى المستجدات في المتطلبات الإدارية.
ولتوضيح دور كل حلقة من هذه الحلقات لابد من شرح طبيعة هذه الحلقات:
القيادة: فالقيادة هي القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة. أما القائد: فهو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لانجاز أهداف محددة. إذن هناك أهمية للقيادة ولابد للمجتمعات البشرية من قيادة تنظم شؤونها وتقيم العدل بينها وهناك فرق بينها وبين الإدارة. فالقيادة نشأت منذ القدم أما الإدارة فقد نشأت حديثا وبذلك فالقيادة فرع من علم الإدارة. إذن الإدارة تركز على أربع عمليات رئيسية هي:- التخطيط والتنظيم والإشراف والرقابة، أما القيادة فتركز على ثلاث عمليات رئيسية هي تحديد الاتجاه والرؤية وحشد القوى تحت هذه الرؤية والتحفيز وشحذ الهمم، ويشتركان في تحديد الهدف وخلق الجو المناسب لتحقيقه. إن كلمة التخطيط من الكلمات ذات المعنى الواسع حيث تم تداول وتعريف هذه الكلمة في معاني وتعاريف مختلفة في الصياغات والمعنى العام إلا أن التعريف الدقيق الذي جاء به هنري فايول (إن التخطيط في الواقع يشمل التنبؤ بما سيكون عليه الوضع في المستقبل مع الاستعداد لهذا المستقبل)0 وكذلك التعريف الذي قدمه جورج تيري (التخطيط هو الاختيار المرتبط بالحقائق ووضع واستخدام الفروض المتعلقة بالمستقبل عند تصور وتكون الأنشطة المقترحة التي يعتقد بضرورتها لتحقيق النتائج المنشودة).
ومن الظواهر الخطيرة التي تواجه تخطيط الإدارة الفعالة هي ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي تعتبر من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان النامية حيث أخذت تنخر في جسم مجتمعاتها بدءا بالأمن وما تبعه من شلل في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والقدرة المالية والإدارية ومن ثم عجز الدولة عن مواجهة تحديات الإعمار وبناء البنى التحتية اللازمة لنموها ولا تعد هذه الظاهرة وليدة اليوم وليست مرتبطة بزمان أو مكان معينين. فقد عثر فريق الآثار الهولندي عام 1997 في موقع (داكا) في سوريا على ألواح لكتابات مسمارية تبين موقعا إداريا يكشف عن قضايا خاصة بالفساد الإداري وقبول الرشاوى من قبل الموظفين العاملين في البلاط الملكي الآشوري قبل آلاف السنين ولكن مواجهتها حاليا بالوسائل المتاحة أصبحت ضرورية لحماية الاقتصاد الوطني.