المنبرالحر

زيادة الانفاق العام / محمد شريف أبو ميسم

ما من شك أن للناس حقوقا على الدولة ، وفي مقدمة هذه الحقوق رفع مستوى الدخول بهدف اعانة الانسان على مصاعب غلاء المعيشة ، اذ يتطلب الأمر للوهلة الأولى زيادة الحد الأدنى من الأجور ودعم الفئات المجتمعية المتضررة من الكوارث الطبيعية (مثل الأمطار وسيول المياه الناجمة عنها في بداية فصل الشتاء ) والمتضررة من الارهاب .. بيد ان البعض قد يعتقد ان هذه الزيادات ربما تفضي الى رفع معدل الأسعار مالم تواجه حاجات السوق بمعدلات من الانتاج الوطني من خلال تدوير عجلة الانتاج في القطاعات الحقيقية وتطوير للقطاعات الداعمة لها وتلك ?لتي تتكامل معها في مشهد الاقتصاد الكلي وهذا الأمر يتطلب دعما حقيقيا لعموم هذه القطاعات وفي مقدمتها القطاعات المنتجة للسلع ما سيفضي بالتالي الى محاربة البطالة والحد من الاستيراد.. فتتشكل بذلك اللبنة الأولى للتنمية وترتسم على جسد الدورة الاقتصادية الحقيقية علامات صحية تساهم في الحد من تقلبات الناتج المحلي الاجمالي ، مما ينعكس بشكل أو بآخر على دينامية السياسة المالية التي قد تفضي آلياتها في تعديل الاجور حينها الى اعانة الانسان دون خوف من ارباكات أو ارتفاعات كبيرة في معدلات التضخم .. أما أن ترفع الحد الأدنى من الأجور وتزيد من معدلات الانفاق العام في حلقات أخرى دون حلول استراتيجية وبرنامج اقتصادي ينتشل السياسة المالية من هذا النمط في الانفاق وما سيترتب على السياسة النقدية من تبعات فان ذلك لا يعدو أكثر من تسويق اعلامي أو ربما سياسي يراد به تحقيق أهداف غير اقتصادية ، وهو سيفضي وبالضرورة الى رفع معدلات التضخم ما دام الاختلال قائما في جسد الاقتصاد الكلي (الريعي) .. وهنا يحضرنا المثل الصيني الذي يقول (أن تعلمني الصيد خير من أن تهديني سمكة ) وأرجو أن لا يفهم من ذلك معارضة زيادة الأجور وتثبيت موظفي العقود ، أو ليس مع صر? مستحقات ودفع تعويضات وغيرها من النفقات التي زادت من الانفاق العام في موازنة العام 2014 .. بل على العكس من ذلك لأن هذه الفئات وغيرها من طبقات الشعب الفقيرة هي الأحق في رفع مستوياتها المعيشية جراء ما تعرضت وتتعرض له من حرمان.. بيد ان ثمة نفقات أخرى تحمل رائحة الدافع السياسي ،تشكل بمجموعها أعباء كبيرة جدا على موازنة العام 2014 التي تعاني أصلا من عجز مخطط بنحو 14 بالمئة ومن تحديات تأتي في مقدمتها خطورة ضعف العوائد أو تقلباتها جراء اعتمادها على ايرادات النفط بنحو 93 بالمئة (حيث تتعرض أسعار النفط لمخاطر الانخفاضات بحسب توقعات بزيادة كبيرة في الامدادات النفطية في أسواق النفط خلال الشهور القليلة القادمة وانخفاض في الطلب على نفط منظمة أوبك بجانب ما يقال بشأن دخول النفط الصخري الأمريكي) .. في وقت تحتاج فيه البلاد الى تخصيصات كبيرة بهدف تحسين واقع البنى التحتية لقطاعات النفط والغاز والخدمات والتعليم والصحة .
لقد قدرت نفقات السنة المالية الحالية بنحو 163.4 ترليون دينار وبعجر مخطط بلغ 23.7 ترليون دينار على أساس احتساب الايرادات الناجمة عن تصدير النفط الخام بمعدل سعر قدره 90 دولارا للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره 3.400 مليون برميل يوميا بضمنهما 400 ألف برميل يوميا عن كميات النفط الخام المنتج في اقليم كردستان.. فيما ينتاب الكثير من المراقبين القلق من تكرار ما حصل في العام 2013 بشأن (صادرات أقليم كردستان من النفط ) حيث اذا ما تكرر هذا الأمر فان الموازنة العامة ستتعرض لعجز اضافي يقدر بنحو 13.3 مليار دولار، بجانب ما يتعلق بمبالغ البترودولار التي أعيد النظر بها لتكون 5 دولار بعد أن تم احتسابها في مسودة القانون الذي صوت عليه مجلس الوزراء على أساس دولار واحد ، مما سيضيف عجزا آخر بنحو 5.5 مليار دولار ، فيصبح العجز المحتمل نحو 38.5 مليار دولار في وقت يزداد فيه الانفاق العام بشكل غير مسبوق .. فهل هذا معقول؟.