المنبرالحر

نحو تغيير الطابع الاستهلاكي للاقتصاد العراقي / إبراهيم المشهداني

وزارة التخطيط تنبهت أخيرا إلى استنتاج مفاده أن الاقتصاد العراقي ما زال ريعيا وذا نزعة استهلاكية وتوصلت إلى أن هذا الطابع يحفز الباحثين والمحللين للالتفات إلى دراسة واقع الإنفاق الاستهلاكي الحكومي أو الخاص ودعت إلى تخفيض الإنفاق الاستهلاكي وتلافي الخطة الخمسية التي أقرتها الحكومة وفي نفس الوقت حذرت من الاعتماد على ايرادات النفط التي تشكل 95 بالمئة من مصادر تمويل الموازنة الاتحادية.
والمتفحص لإشارات وزارة التخطيط لم يتفاجأ بما توصلت إليه من حيث ريعية الاقتصاد فهذا الاستنتاج توصل إليه الاقتصاديون والمهتمون بالشأن الاقتصادي منذ ما يزيد على نصف قرن، ولكن المفارقة فيما توصلت إليه الوزارة تتجلى في نقطتين الأولى أنها وضعت القطاع الخاص والقطاع الحكومي على قدم المساواة في الإنفاق الاستهلاكي والثانية أنها دعت إلى التخلي عن الخطة الخمسية التي تعتبر من صلب مهامها، فهل كان المقصود نفي دورها في رسم الخطة أم أنها كانت ملزمة بالقبول بخطة صدرت شهادة وفاتها منذ صدورها؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل يمكن النظر إلى الإنفاق الحكومي الاستهلاكي والإنفاق الخاص في كفتين متساويتين من حيث التأثير؟. فإذا كان المقصود بالإنفاق الاستهلاكي الخاص هو استهلاك الأفراد فهذا أمر طبيعي في مجتمع ترتفع فيه نسبة البطالة إلى أرقام قياسية قد تصل في كل عناوينها إلى ما يقارب 50 بالمئة ومستويات أسعار عالية وقيمة منخفضة للدينار العراقي مقابل الدولار وقطاعات إنتاجية مشلولة وخاصة القطاع الصناعي والقطاع الزراعي وهذا الأخير لم يزدد سوى بشهقة عميقة من الأوكسجين في ما سميت بالمبادرة الزراعية التي تحولت من طابع المبادرة ذات الدعم الحكومي?إلى مشروع للاستثمار أي إن نصف الموارد البشرية المنتجة تستهلك ولا تنتج مع أنها لو أتيحت أمامها فرص العمل في قطاع حكومي منتج وقطاع خاص نام بمعنى وجود قطاع إنتاجي فاعل في الحياة الاقتصادية لاختفى بالتدريج الطابع الريعي في الاقتصاد ولكن السياسة الاقتصادية التي انتقدت وزارة التخطيط بعض أوجهها لم تظهر كفاءة في توزيع الموارد الاقتصادية بين مختلف القطاعات بما يؤدي إلى تقليل نسبة الاعتماد على إنتاج وتصدير النفط.
وإذا انطلقنا من كون الموازنة العامة هي الأداة الفعالة في توزيع الموارد الاقتصادية من خلال العلاقة بين الإنفاق الاستثماري والإنفاق الاستهلاكي وان الأخير يشكل ثلثي الموازنة وان النسبة المتدنية في الموازنة الرأسمالية لم تستثمر بالكفاءة المطلوبة بل تعاني من هدر مالي كبير ناجم عن الفساد والاستثمار في مشاريع خاسرة وفي مناخ استثماري ملبد بالغيوم وطارد للاستثمار الأجنبي والاستثمار الوطني الهارب من جحيم الروتين والقوانين الاقتصادية المعطلة والوضع الأمني المرتبط بتعاظم دور الإرهاب المدعوم خارجيا في حرب طال أمدها بوجود مشاريع أجنبية هادفة إلى تمزيق الاقتصاد والوطن والشعب. إن أمام الحكومة بوابة واسعة للتخلص من النزعة الاستهلاكية على صعيد الحكومة والمجتمع تتمثل في مراجعة جادة لسلوك الموازنات العامة وتحويل الموارد النفطية إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية والشروع في عملية تنمية اقتصادية مستدامة على طريق إيجاد مصادر تمويل جديدة للموازنة وعدم اعتمادها شبه الكلي على موارد النفط وتخليص الاقتصاد من طابعه الريعي ومغادرة سياسة الباب المفتوح من خلال وضع الضوابط الحاكمة لتحويل السياسة التجارية بوجهة التركيز على السلع الضرورية والسلع الإنتاجية وتشجيع السياسة الادخارية والمناورة في الموارد البشرية بين القطاعات الاقتصادية وتخليص الوظائف من الطابع الخدمي شبه المنتج المعتمد على موارد النفط إلى وظائف منتجة تعتمد في مداخيلها على القيم الإنتاجية المحلية التي تنتجها قوى الإنتاج الوطنية فضلا عن إعادة النظر في هيكلية الموازنة وتخليصها من الإنفاق التبذيري غير المشروع، بحسب حاجة المحكوم وليس حسب رغبة الحاكم. فهل الدخول من هذه النافدة للإصلاح الاقتصادي عصي على الحكومة؟