المنبرالحر

سني التقاعد وتلافي تداعياتها _ القسم الخامس_/ د.علي الخالدي

يتعرض المتقاعد الى تداعيات ومنغصات تبدأ مع خروجه من قوة العمل وتلازم سني حياته التقاعدية في خريف العمر ، مولدة القلق والإحباط وخيبة الأمل. منها ما يكون إجتماعيا ومنها ما هو عائلي. ففي أيام تقاعده الأولى , يواجه كما هائلا من المتاعب في إنجاز معاملات التقاعد في الدوائر الرسمية , وكأن محصلة سنوات عمره أتت عليه بهذا الواقع الأليم , الذي تشير اليه دائما صفحات جريدة طريق الشعب الغراء , ومنها ما شخصه وأسهب به الإستاذ مسلم عوينة في عددها الصادر في التاسع من حزيران , مشيرا الى التصنيف الجديد بين متقاعدين سابقين ومتقاعدين لاحقين من حيث المرتب والإمتيازات، والتطبيق الإنتقائي لهما . مشخصا إن وراء ذلك يقف غياب القواعد والقوانين، التي تستند على سني الخدمة ، وما يُدفع من ضريبة دخل للدولة كمقاييس وقواعد يُحدد بها مرتب المتقاعد.
في عراقنا الجديد من شغل بضعة أشهر أو سنوات في مجلس محافظة أو موظف كتلة في البرلمان أو وزير مَثل طائفته في الحكومة , ووكيل وزارة أو مدير عام وغيرها من الرتب الخاصة ،يتقاضى
تقاعد ما لم يحلم به أي مسؤول في أكبر دولة غنية في العالم، له من الخدمة أكثر من 35 سنة . هنا يتساءل المواطن والمتقاعد بصورة خاصة ، في أية فئة سيوضع من سيحال أو أحيل على التقاعد من رجالات النظام السابق , و حتى الذين يتزاحمون على العمل ، بعد غياب طويل عنه في خارج الوطن ، وهم قريبون من سن التقاعد ، يتم تعينهم بالواسطة والمحسوبية ، ومع هذا يقضي فترة ما قبل التقاعد ، في إجازات مرضية متواصلة ، يقضوها في مواقعهم بخارج الوطن . إن هذا التخبط في إنصاف المتقاعدين ،مرده غياب قانون تقاعد يتمشى وظروف ما بعد التغيير , وعدم تفعيل مجلس الخدمة ، والإزدواجية بين تطبيق قوانين النظام الدكتاتوري , والقرارات غير المدروسة في سلم الرواتب ومنح المرتب التقاعدي , مما أدى الى عدم التوازن في الظروف المعاشية الاقتصادية والمجتمعية بين المتقاعدين` أما على صعيد العائلة فسني التقاعد ،تضعف سطوة المتقاعد وتفقده نفوذه، وسلطته ألأبوية على أفرادها، طبقا لظروفها الإقتصادية و الثقافية ،و هذا بحد ذاته يولد لديه شعورا بالإتكالية , والتطفل على المجتمع والعائلة ،قد يعرضه لأمراض نفسية.
من ألد أعداء سني التقاعد هو الشعور بالوحدة , فبعد فقدان ما كان يشغله في حياته اليومية ، يتحول الى جليس الدار أو ربما ينزوي في دائرة مغلقة ، ( إذا لم يكن قد إستعد لذلك لإشغال نفسه في هواية ما أو بالتواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة ) ، يفعل ذلك غياب النوادي الخاصة بالمتقاعدين، وأماكن الترفيه ، وإفتقار البلد لدور رعاية المتقاعدين، وكبار السن ،و إن وجدت فهي لا تستوفي الشروط ، و المتطلبات ،التي توفر حياة سلسة تتماهى والحس المرهف الذي تكون بعد دخوله خريف العمر . في الدول التي تسهر على تطبيق حقوق الأنسان تضع في أولياتها انشاء مثل هذه البيوت، منها الخاصة والحكومية ، فيها من الوسائل ما يقيه شر الوحدة وتبعده عن ما يثار من مشاكل وإبتزاز.

كما إن أخطر ما يؤثر على المتقاعد هو الخمول وقلة الحركة , متناسيا إن في الحركة بركة , فقد يقتنع بما آل له مصيره , ولا تدفعه الرغبة في إستغلال الوقت الفاضي الكبير لديه في الإطلاع على ما فاته من مباهج الحياة ،وبالسفر المجاني الذي يجب أن توفره الدولة له ، لمشاهدة ما لم يستطع مشاهدته , وزيارة ما لم يسعفه الوقت أثناء العمل بزيارتهم , وهذا ليس منة منها ،وإنما تقديرا وأحتراما لما قدموه للمجتمع ، تماهيا مع قدرته الإقتصادية ، وإنسجاما مع ما يتكون لديه من حساسية مفرطة حول ما يدور حوله، وتفاعله الإنفعالي السريع تجاهها ، كالتطير تجاه العابثين بمقدرات المجتمع وملكيته العامة , و ما يجري من تشويه للطبيعة , و تجاه الصرف غير المبرر للمياه والكهرباء، ذلك إنه يعتبر ما حوله قد قام , بجهوده ، إن كان على صعيد عمله الأنتاجي أو السياسي.

إن الجلوس في البيت ,يزيد من شهية الشخص ، الى الاكل والإفراط في تناوله مؤديا الى البدانة ، ومتاعبها ،حيث يقل أحتراق المواد ، التي يتناولها وتتراكم في جسمه خالقة متاعب السكر , والضغط , أما الجلوس لفترات طويلة على مقاعد صلبة يؤدي الى تضخم البروستات لدى الرجال , والترهل لدى النساء , فبالقيام برياضة السير ساعة في اليوم وباعمال فيزيائية بسيطة ،والجلوس على مقاعد رخوة , والإمتناع عن الأكل حد التخمة ، وخصوصا ما كان منه متبلا بالطريقة الهندية , و تناول المياه غير المعدنية وبإستمرار وخاصة في فصل الصيف حيث التعرق يزيد من كثافة الدم ، الذي بدوره وراء الكثير من الاعراض المرضية ، قد يقيه من تبعات ذلك . فليس معيبا أن يحمل الشخص قنينة ماء تكون ملا زمة له في تحركاته ، يشرب منها كلما شعر بالعطش , وهي ظاهرة منتشرة في أوروبا حتى بين الشباب
إن حصول المتقاعدين في بلدي على مكاسبهم إسوة بأقرانهم في الدول الديمقراطية لا يتم، إلا بتنظيم أنفسهم وتوحيد صفوفهم ليشكلوا عامل ضغط على القائمين في موقع القرار ، واصحاب الشأن بإستعمال قوتهم الصوتية في الإنتخابات القادمة ، بمنحها لمن ينصفهم ويقف الى جانبهم ممن ينؤوا بنفسهم عن الطائفية ،والإنقياد لمآرب الكتل والأحزاب التي تسعى لتحقيق مصالح ذاتية وشخصية على حساب مصلحة الشعب والوطن، بالإستفادة من التجربة التي مروا بها في حياتهم.
يتبع