المنبرالحر

الوقت كالسيف .. / إبراهيم المشهداني

يعتقد البعض أن الوقت ليس سوى ومضة ضوء تمر أمامهم دون أن تعنيهم بشيء، وهذا البعض قد يكون من عامة الناس الذين لم يدخلوا في حساباتهم القيمة الحقيقية للوقت، فقد يكون بين هؤلاء عامل يحاول أن يمضي وقت عمله في أعمال ثانوية دون حساب للكلف المترتبة على إضاعة ساعات العمل مع الاعتذار لطبقتنا العاملة، التي تمثل قوة الإنتاج الحقيقية، أو نائب في البرلمان لا يحضر في قاعة البرلمان إلا أياما معدودات خلال الدورة البرلمانية، ربما يعتقد إن حضوره أو غيابه لن يضرا البرلمان بشيء؛ فهناك من يعوض عنه من كتلته أو رئيس دولة يقصر نشاطه في أولويات جزئية دون أن يتعب نفسه في وضع برنامج محدد لتطوير بلده توخياً للحاق بالبلدان المتطورة. وكأن قوانين التطور لا تحتاج إلى من يفعلها وإنما تعبر عن مفاعيلها من تلقاء نفسها. أو وزير لا يكلف نفسه بتطوير وزارته وتحسين أدائها، تاركا الأمر إلى من سيأتي بعده.. فليس عند هؤلاء جميعا أية قيمة للوقت لهذا السبب تبقى بلدانهم متخلفة ولأنهم لا يملكون أية فكرة عن مصالح الأجيال القادمة وحقوقها.
فللوقت قانون يسمى قانون الوقت وهو من أهم القوانين في الاقتصاد شأنه شأن قوانين العرض والطلب، وقانون التراكم المالي وغيرها، ولم يقتصر وجود هذا القانون على الاقتصاد بل هو يشمل كل ميادين الحياة، وكامل النشاط الإنساني. ومن المفيد الإشارة إلى بعض القوانين والنظريات التي تبحث في قانون الوقت؛ فنظرية مصفوفة الأولويات لستيفن كوفي تقوم على قاعدة أمور مهمة مستعجلة كالطوارئ والإنتاج وأمور مهمة لكنها غير مستعجلة كالجودة والفاعلية. وقانون 20/80 لباريتو الذي يقول إن هناك من يستطيع في20% من وقته إن ينجز 80% من العمل المطلوب انجازه، وذلك من خلال عدم التسويف والمماطلة واستغلال أوقات الذروة للنشاط. وهناك من يضيع 80% من وقته في انجاز 20% من العمل المطلب انجازه، وقانون باركنسون الذي يقوم على مفهوم مؤداه إن العمل يتم التوسع فيه لكي يملأ الوقت المتاح لانجازه، وهذا القانون يدعو إلى عدم تخصيص وقت أطول لتنفيذ عمل ما.
وحين نستعرض هذه النظريات والقوانين نستطيع القول وبكل ثقة عدم وجود أي تعبير فعلي لها على ارض الواقع في بلادنا. فأكثر من عشر سنوات مضت لم نر سوى بعض المشاريع التي لا تتناسب مع طول الفترة الماضية التي كانت كفيلة بنقل اوضاع بلدنا نقلة نوعية أسوة بالتطورات الجارية في العالم البعيد والقريب على مستوى الإنتاج ومستوى الخدمات. فالقطاعات الإنتاجية يعوزها الشيء الكثير لكي تسد حاجة البلاد من متطلبات الاستهلاك الاجتماعي الضرورية ويصار عوضا من ذلك الى الاعتماد على التجارة الخارجية وما يصاحبها من إعادة الريع النفطي إلى الخارج وحرمان البلاد من العملة الصعبة. أما الخدمات فهي الأخرى متخلفة بشكل محسوس، خاصة طرق النقل والمواصلات والخدمات البلدية والتعليمية والصحية وغيرها. إن غياب قوانين الوقت يقف حائلا أمام التقدم في انجاز المشاريع النافعة، ولطالما يتأخر انجاز المشاريع بضعف المدة المقررة لها والمثبتة في العقود بسبب الفساد. ولنأخذ مثالا بسيطا نعيشه يوميا وهو عدم قدرة سيارات الإسعاف على نقل مصاب في تفجير إرهابي بالوقت المناسب إلى اقرب مؤسسة صحية ما يترتب عليه فقدان حياة المصاب. ومثال آخر سير المواكب الحكومية واليات الجيش والشرطة عكس خطوط السير بشكل معيب، بسبب الازدحام الذي أصبح ظاهرة مستعصية دونما أية خطة أو مشروع استراتيجي لحل هذه الأزمة مقارنة بالدول المجاورة مثل إيران وتركيا والسعودية التي تسبقنا كثيرا في مجال خطوط النقل السريع وتنوع آليات النقل البري، الداخلي والخارجي وأدواته. والمثال الأخر طول الفترة للوصول إلى المحافظات البعيدة بسبب كثرة السيطرات العسكرية التي تعتبر من ابرز المعوقات أمام تعطل السير بالرغم من أنها لم تؤد الغرض من وجودها في منع حركة الإرهاب. ان الأمثلة كثيرة لا تسعها مقالة واحدة لكنها تترجم بوضوح غياب الاهتمام بتفعيل قانون الوقت، وبالتالي تضييع فرص التقدم والخروج من شرنقة التخلف حتى اخذ اليأس والإحباط يهيمنان على حياة العراقيين اليومية، ما أعاد ظاهرة الهجرة إلى بلدان المنفى مرة أخرى. وخاتمة الكلام بات مطلوبا أن تضع الدولة بمختلف مؤسساتها قانون الوقت إلى جانب القوانين والتشريعات النافذة وتقييم أدائها على هذا الأساس.