المنبرالحر

دور الإعلام في الخطر المحدق بالوطن العراقي / قاسم حول

إذا ما قسمنا الإعلام إلى مقروء ومسموع ومرئي فإن أخطر أدوات التعبير الإعلامية المعاصرة هو الإعلام المرئي بسبب طبيعة التقنية المستخدمة في العملية الإعلامية، وبسبب الطبيعة العلمية للصورة المتحركة.
يمر الوطن العراقي الآن في ذروة المحنة الوطنية ليس منذ رحيل النظام الفاشي في عام 2003 عن أرض الوطن، ولكن منذ أن ظهرت الأحزاب الفاشية وإرتباطاتها غير المشروعة بمنظومات عالمية أو إقليمية، وغياب الهاجس الوطني الصافي عن أهداف وبرامج تلك الأحزاب.
والوطن اليوم مهدد بالتشظي أو الحرب الأهلية في أحسن الأحوال، وبشكل خاص في العاصمة بغداد المكتظة بالمكونات والأعراق والطوائف والأديان.
يلاحظ ومنذ رحيل النظام الفاشي وحتى الآن تكاثر الإعلام الفضائي بشكل لافت للنظر وهي ظاهرة ينبغي التوقف عندها، فهناك القنوات المشبوهة في الجانب الوطني وهناك القنوات الدينية وهناك القنوات التجارية ذات الأهداف المرتبطة بغسل الأموال المنهوبة وإستثمار أموال الوطن لتنظيم مشروعية النهب وإضفاء التحضر والمعاصرة عليها. مثل قنوات شركات الهواتف المحمولة وإبتزازها للمواطن. ولأن هذه القنوات الفضائية غير مؤسسة ضمن قانون واضح فإنها تتصرف على هواها وهي تمتلك شركات الهواتف وتبتز المواطنين البسطاء وتروج لبضاعتها وبعد أن يتم إبتزاز المواطنين بالملايين في طول البلاد وعرضها يصار في رمضان إلى إهداء طباخ غازي أو جهاز تلفزيون أو براد أو مروحة كهربائية فيقع المواطنون ضحية هذا الإستغفال.
ومن اللافت للنظر أن القوى المتصارعة أحزابا وجماعات وحتى أفراداً كلما زعل الواحد منهم أو إختلف أو طمح الى مكان او مكانة أو حتى عقار، بادر إلى تأسيس فضائية داخل العراق أو من خارجه.
يطرح هنا سؤال منطقي وبسيط جداً. يتمثل السؤال بـ "من أين لك هذا"؟
أمريكا وبسهولة تقدم لمن تجد فيه "كفاءة الموالاة" ليس لأمريكا بل لمخططاتها مبلغا قدره خمسة ملايين وثلثمائة وخمسين الف دولاراً "ولا أدري صراحة لماذا الثلثمائة والخمسين ألف" المضافة للملايين الخمسة. ربما يتمثل ذلك بطبيعة الميزانية وتقسيمها على عدد الفضائيات الممنوحة، شيء يتعلق بالجانب الحسابي.

إستدراك يثبت كفاءة الموالاة:

في برنامج مباشر لإحدى القنوات المدعومة أمريكيا جرى الحديث عن أمريكا ودورها في العراق وعندما تجاوز ضيوف البرنامج الخط الأحمر المرسوم للقناة جاءت مكالمة للقناة من جهة ما بإيقاف بث البرنامج فأبلغ قسم المراقبة مقدم البرنامج عن طريق جهاز الأتصال بطبيعة المكالمة فأعتذر مقدم البرنامج وهو صاحب القناة عن مواصلة البث!
هذه القنوات لا تتمتع بالمستوى التقني ولا الفني الجمالي ولا بقدرة مقدمي البرامج على صياغة البرامج ومستواها القياسي المألوف. فيتم صرف نصف المبلغ الداعم على برامج جاهزة وأخرى داخل البلاتو للبث المباشر مستفيدا صاحب القناة من فائض القيمة. وعندما تتركز قناته يصبح بإمكانه توسيع دائرة البث وبيع الوقت للداعمين وبرامجهم السياسية أو الإنتخابية والإعلانات التجارية والسياسية فتتحول القنوات إلى أخطر العمليات التجارية تماما مثل التجار الذين يستوردون البضاعة الفاسدة منتهية الصلاحيات.
كما تقدم إيران دعما أسخى بكثير من الدعم الأمريكي لقنوات لمن تجد فيهم "كفاءة الموالاة" ليس لإيران بل لمخططاتها. ومنها القنوات ذات النهج الديني.
المملكة العربية السعودية ليست غائبة عن عمليات دعم وتأسيس القنوات ولكنها أقل عدداً من القنوات الأمريكية والإيرانية، ولكن المملكة العربية السعودية أنشأت قنوات تابعة لها مباشرة ومن خلالها تنفذ سياستها ومواقفها مما يجري في المنطقة، سوى قناة واحدة بائسة ذات نهج خطابي تبث من لندن.
المملكة العربية السعودية أنشأت الأم بي سي وهي إمبراطورية عملاقة على أكثر من صعيد فني وسياسي وتقني وتبلغ ميزانيتها مئات الملايين من الدولارات وليست كما القنوات الفضائية العراقية التي لا تقدم من البرامج سوى البث المباشر واللقاءات البائسة والبرامج الجاهزة على أشرطة مستهلكة. وعندما إختلفت المملكة العربية السعودية سياسيا مع دولة قطر وبدأت قطر تدس الأخبار ضد المملكة، عملت المملكة على شق كادر الجزيرة وأغرتهم بالمال لتأسيس قناة العربية المرتبطة مع إمبراطوية الأم بي سي الفضائية.
نفس الشيء عملته إيران عندما تعرضت سياستها لهجوم قناة الجزيرة المتواصل، فأغرت بقايا كادرها فعمدت لتأسيس قناة "الميادين" لتبث من بيروت بصيغة ليبرالية غير دينية.

ما هو تأثير المرئيات الفضائية على الواقع؟
ما هو غباء سلطة العراق وحكوماته في الجانب الإعلامي؟

في البداية قامت أمريكا بعد غزوها للعراق بإنشاء مؤسسة سرية غير معلنة أطلق عليها "عراق الغد" هي ليست شركة ولا مؤسسة ولا يوجد لها مكتب معلن ولا أحد يعرف رموز من يحركها. صارت تدفع من أموال العراق ولا أحد يعرف من أي باب من أبواب الميزانية العراقية تصرف ملايين الدولارات على شكل إعلانات تحمل شعار "لعيون العراق فتح عيونك" وصارت تبذخ في المال لدعم قنوات فضائية أغلبها معادية للوطن العراقي.
"أجريت أنا إحصائية دقيقة بعدد الدقائق والساعات الإعلانية إنتاجا وبثا في كل قناة عبر مراقبة دقيقة لساعات البث ومعرفة سعر الثانية الواحدة في الوقت المحدد ووقت البرامج الأكثر مشاهدة وكلفت شركة لإنتاج البرامج في لبنان لتقدم لي الحجم الإعلاني وأسعاره في عدد غير قليل من الفضائيات" وحصلت على أرقام كان علي إعادة تدقيقها لأنها وصلت إلى ناتج يفوق التصور. هدف هذه الإعلانات هو تأكيد الدعم للقنوات التي تسهم في خلط الأوراق السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية العراقية لتحقيق هدف واحد يتمثل بتدهور الوطن العراقي وإتلافه وإمراض الشخصية العراقية وتأخرها ثقافيا وحضاريا وصحيا ومدنيا وهو هدف بعيد المدى يقع ضمن مخطط دولي عنوانه "تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ"، وإضافة إلى هذا فإن طبيعة الإعلانات هي طبيعة مخطط لها ومشبوهة وإن أول إعلان إنطلق من مجموعة "عراق الغد" كان قد بذخ في إنتاجه بميزانية منفوخة وهو يدس فكرة الطائفية في العراق بشكل واضح لا يقبل اللبس وقد تم إنتاج هذا الإعلان في سوريا من قبل شركة تعود إلى إبن السياسي السوري الهارب "عبد الحليم خدام" وبرقم خيالي يفوق التصور في إنتاج الإعلان المرئي. وتم بث الإعلان بشكل واسع ومتكرر في قنوات عربية معادية للعراق وأخرى عراقية معادية للعراق تبث من خارجه. ودفع على أجور بثه أضعاف ما دفع لإنتاجه.
عملت هذه المؤسسة السرية التي تنتج الإعلانات ومقرها دبي بميزانيات كبيرة منذ عام 2003 وإنتهت وظيفتها عام 2010

تأثير الفضائيات على الواقع

للإعلام المرئي مخاطر عدة تتمثل في:
أولا - المخاطر السياسية
ثانيا - المخاطر السيكولوجية
ثالثا - المخاطر الحضارية
رابعا - المخاطر الأمنية
خامسا - المخاطر الفيزيائية
إن الصورة المتحركة إختُرعت بناء على إكتشاف طبيعة العين البشرية التي تحتفظ بأقل من واحد إلى عشرة من الثانية من كل صورة تمر عليها. وكان أول من أكتشف هذه الحقيقة العالم البلجيكي "جوزيف بلاتو" الذي نجح في تحريك الصورة ولم يشاهدها حيث فقد بصره بسبب التجارب التي أجراها على عينيه. ثم توالت التجارب عبر العالم الأمريكي "توماس أديسون" حتى إستقرت عند الأخوين لومير في فرنسا وتم عرض أول صورة متحركة على شاشة بيضاء في باريس عام 1895. وفي العام 1897 أي بعد سنتين من تحريك الصورة الثابتة إنعقد مؤتمر "بال - بازل" في سويسرا لإقامة ما أطلقوا عليه الوطن القومي لليهود في فلسطين بقيادة "ثيودور هرتزل" وفي نهاية المؤتمر كتبت توصية لإستثمار الصورة المتحركة في تحقيق الكيان القومي لليهود. حينها سخرت المصارف التي يهيمن عليها اليهود سيولتها النقدية للإستثمار في مجال السينما وكان تأسيس مدينة هوليوود وهم حتى الآن يهيمنون على السينما والإعلام والفضائيات في كل أنحاء العالم. ونحن الوطن العربي أو الشرق الأوسطي ونحن في العراق وفي ليبيا مثال آخر وفي مصر مثال ثالث وهكذا وفي دول الخليج نخضع لإبتزاز الصورة بدلا من تكريسها لصالح الوطن القومي للعرب أو الوطن العراقي للعراقيين.
إن الجرائم التي تنتشر في أنحاء العالم كثيرة منها ما يحصل بسبب التأثير السيكولوجي والتأثير الفسلجي للصورة المتحركة وهذا ما أثبته التحقيق. فجرائم الجامعات في أمريكا وقتل الطالبات والطلاب من قبل زملائهم إنما بتأثير التلفاز وصورته المتحركة التي تتسرب للعقل الباطن إضافة إلى التأثير السيكولوجي فإن نشر القصص التي تتحدث عن الجريمة والقتل والعقد النفسية للبشر التي تجسدها الصورة المتحركة تنعكس سلبا على الإنسان وكثير من الجرائم المصرية أثبت التحقيق تأثير برامج القنوات الفضائية والأفلام السينمائية على مرتكبيها. وقد نشر هذا التقرير في الصحافة المصرية.
أما الجانب الأمني فإن الصحون التي تضعها الفضائيات وهي صحون عملاقة يمكن أن تؤدي وظائف ذات طابع سري للتجسس فهي من الممكن استخدامها عبر اجهزة بسيطة للتنصت. إن الشخص الأطرش الذي يضع سماعة الأذن على إذنيه يستطيع إلتقاط مكالمات شرطة النجدة مثلا عبر مسافة بعيدة نسبيا لأن في ذلك الجهاز الصغير جهاز إستقبال صغير فكيف بهذه الصحون العملاقة. لذلك تعمد البلدان المتحضرة إلى بناء مدن الإعلام بعيدا عن مؤسسات الدولة ومكاتبها.

من أين لك هذا؟

الإجابة عن هذا السؤال توصلنا بسهولة إلى الأجندات الخارجية لأصحاب القنوات الفضائية في جانب وضعف النفس البشرية لصاحب القناة في جانب آخر للمثول أمام المال. وشخص كهذا ضعيف النفسية ومتواطئ على حساب وطنه وأبنائه لا يصلح لأن يقود مؤسسة إعلامية لها تأثيرات خطيرة على المتلقي ولذا فإن من يحق له تأسيس الفضائية هو شخص وطني أولا ونبيل ثانيا في تاريخه وعلاقته بالوطن وثالثا أن يكون حاصلا على درجة أكاديمية وأن يكون قد خبر الإعلام ويسعى ليس وحده بل عبر مجلس إدارة بذات المواصفات يكون هو والمجلس أمام مساءلة برلمان الوطن عندما يخرج عن المسار الوطني وعن إرث المجتمع وتاريخه وعاداته أو عندما يروج لقوى خارجية تستهدف الوطن في ذبح أو إستباحة تاريخه أو العمل على تشظيه، بل أن الأمر تعدى ذلك ووصل حد تعليم الناس صناعة المتفجرات محليا أو طريقة تفخيخ السيارات والبشر وهذا أمر بطبيعته مخالف لقوانين القمر الإصطناعي ولكن هيمنة قوى مشبوهة على الأقمار الإصطناعية يجعلها تغض الطرف عن تجاوز تلك الفضائيات لشروط القمر الإصطناعي وهي تتوقف فقط عندما يتعلق الأمر بمعاداة السامية فتمنع الفضائية من البث عبر قمرها.
شروط تأسيس الفضائية كثيرة ومعروفة وقانونية ولو أعتمدت فإن الإعلامي لا يحتاج إلى مد يده لقوى خارجية تستهدف الوطن وثرواته وحريته بل يأخذ عبر مجلس الإدارة الدعم المشروع من المؤسسة الحكومية التي ينبغي أن تكون لها ميزانية خاصة بالإعلام ودعم الإعلام حتى يبقى الإعلام في حاضنة الوطن وحنان الوطن ومستقبل الوطن. لكن الدولة وهي الأخرى مدانة على أكثر من صعيد عندما خضعت لمزاج الأجنبي "بول بريمر" في ما أطلق عليه حرية الإعلام وتأسيس فضائية عراقية بدأت ميزانيتها بتسعة وثمانين مليون دولاراً وهي الفضائية العراقية والآن تجاوزت المائة وخمسين مليون وتضم منتسبين بالمئات لا علاقة لكثير منهم بالعمل الفني والثقافي. وفي حين تأسست قناة الجزيرة في بداية عملها من ثمانين منتسبا وهي قناة حرفية وإن أختلفنا معها سياسة ومنهجا، فإن الفضائية العراقية تضم من المنتسبين أربعة آلاف وثلثمائة وخمسين منتسبا لا يمكن حتى لبنائها ومقرها إستيعاب هذا العدد بل أن مقر العراقية بغرفه وستوديوهاته لا تتسع لثلثمائة شخص. ما تقدمه هذه القناة لا يتعدى البرامج المنقولة كلقاءات وندوات وبعض البرامج الجاهزة عن الطبيعة أو البرامج المستهلكة. إضافة إلى برامج درامية مشوهة للتاريخ وللواقع ومتدنية في شكلها ومستواها الفني والتقني والجمالي. قناة هزيلة في محتواها وشكلها وصيغتها الجمالية. والأكثر تعاسة في الموضوع أن المتربعين على "عرش" هذه الفضائية يتم الإتيان بهم وتنسيبهم وفق تقسيم الوطن العراقي الذي وصف بـ "الكعكة" وهو أمر مؤلم بقدر ما هو مضحك، وكأننا أمام حفلة عرس لكنه يشبه عرس دم لوركا!
إن القيمة الجمالية لأية قناة هي شرط من الشروط الأساسية في التأسيس وهذه القيمة الجمالية تتمثل بالتقنية مثل ما تتمثل في صيغة العرض، عرض الخبر وعرض البرنامح وإنتاجه ونوع الموسيقى المستخدمة وطبيعة البرامج الثقافية والدرامية ينبغي أن تتسم بالمعرفة واللجان المثقفة الكفيلة بقراءة النص وليست لجانا تقوم بإنتاج وتمويل غير مغمورين بنفخ الميزانيات كظاهرة فساد عامة في الوطن.
إن بناء الذوق الجمالي ينعكس إيجابا على المتلقي من أجل تكوين شخصية عراقية واعية تمتلك الذوق والحس وتعرف حتى ثقافة الطعام وذوق التصرف وتعرف حتى مستوى اللوحة والتشكيل وطريقة وضع اللوحة على جدار المنزل.
إن الإرتقاء بهذا المستوى الجمالي يجعل الفرد العراقي في رفض تام لكل أشكال الخلل في المجتمع وفي المحصلة النهائية فإن الإعلام ينشىء مجتمعا سليما خاليا من الأمراض الإجتماعية وغير الإجتماعية.
من هنا ينبغي إعاد بناء المؤسسة الإعلامية وهذا لن يتحقق إلا عبر بناء المؤسسة السياسية الواعية والمتحضرة والتي تنظر إلى العراق بتاريخه الحضاري السومري وعبر مسيرته التاريخية وأيضا عبر حضارته الروحية ولكن بقراءة واعية حتى نستطيع أن ننظر إلى الحاضر بعين المستقبل.
لا يوجد لدى المؤسسة السياسية الحاكمة مستشار واحد يملك ثقافة إعلامية وخزين ثقافي يستطيع أن ينهص بمؤسسات الإعلام والثقافة إلى جانب مؤسسات الذاكرة. فالدولة العراقية وحكومتها وبرلمانها وأيضا قوانينها المفروضة عليها أعطت الفرصة لأبناء العمومة وأبناء العشيرة وأبناء ألطائفة فرصة العبث بأحاسيس الناس عبر الوسائل الإعلامية العشوائية التي تركت تأثيرا سلبيا على سيكولوجية الإنسان العراقي وعلى حسه الجمالي فأصبح إنسانا خاملا منخوراً يائسا مسدود الأفق خائفا من مستقبل مجهول لذا فهو يشعر باللا أبالية في مواجهة أي تدهور أو أي إعتداء على الوطن. إن الإنسان الخامل لا يمكنه النهوض فكيف يتمكن من المواجهة!؟
هل العراقيون ليسوا ذوي كفاءة؟ أبدا لا .. عشرات بل مئات بل آلاف من العراقيين يمتلكون الحس الوطني المتألق والحس الثقافي المؤثر والقدرات الإعلامية والتقنية وهم منتشرون في بقاع الأرض لكن طبيعة المؤسسات الحاكمة لا تريدهم وهي تستنجد بهم صوتا فارغا فقط عندما تحيط بها الأزمات!
فلو أرادت الدولة ومؤسستها الحكومية أن تنهض بالوطن عليها أن تبعد عن ذهنها إستشارة ذوي القربى وذوي الطائفة والنظر إلى الكفاءة أولا وأخيرا من أجل رسم سياسة إعلامية ذكية واعية ووطنية تسهم في بناء الوطن، لكن الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى قد أسهمت في تهديم الوطن ويعود السبب إلى أن هذه الفسحة من الحياة والتي تسمى الإعلام هي فسحة لغسل الأموال وهي فسحة للفساد وللإرتزاق تقودها مؤسسات وأفراد الوطن والوطنية أبعد ما تكون عنهم.
هذه النتيجة المتمثلة في قوات ظلامية يائسة تريد أن تزحف نحو بغداد وتقترب منها وتشظي الوطن وتسيطر على المحافظات العراقية الشمالية والشرقية هي حصيلة طبيعية لتاريخ مشوه من التخبط العشوائي في شتى مناحي الحياة ومنها الحياة الإعلامية، يدفع ثمنها الفقراء ويدفع ثمنها أبناء الوطن لعب الإعلام العشوائي دورا خطيرا فيها وتتحمل الدولة تأريخيا ثمن هذه الخسارة الإنسانية الفادحة والوطنية الفادحة فخراب الوطن كان يحصل على مراحل فوصل إلى خراب يومي ينذر بخطر الحرب الأهلية وينذر بخطر التقسيم والتشظي الذي لا سمح الله لو حصل فإنه سيضع العراق لقمة سائغة في أفواه خارجية حينها لا ينفع الندم .. فنعود نؤدي مسيرات تعنيف الذات وتعذيبها بدلا من البناء واليقظة لما يجري في كل بيوت الوطن العراقي!؟
إن مؤسسات الإعلام، المرئية منها بشكل خاص هي مؤسسات تعمل ضمن أجندات خارجية إقليمية ودولية وينبغي أن تبعد الحكومات عن ذهنها كادر العشيرة والطائفة والدين وتنظر إلى الشخص بكفاءته وليس بإنتمائه الديني أو العرقي أو المذهبي وأن فكرة المحاصصة هي فكرة ملعونة ومرفوضة.
لقد نجحت الحكومات المتعاقبة في العراق بعد التغيير في عقد زواج مع قنوات معادية واضحة الهدف ولا تحتاج إلى وثيقة فبرامجها المعادية للوطن العراقي هي وثيقة دامغة بحد ذاتها، كما نجحت الحكومات المتعاقبة في إبعاد الكفاءات الثقافية والفنية والوطنية.
بإعتماد الكفاءات الإعلامية وليس إعتماد ذوي القربي الذين لا يعرفون شيئا عن علم الإعلام يمكن وضع اللبنة الصحيحة إعلاميا في بناء الوطن، والحاكمون من منطلق الجهل والمنفعة والفساد يظلمون الكفاءات ويبعدونها، لذلك يشعر أصحاب الكفاءات بالحيف فيهجرون الوطن بسبب ظلم المؤسسة الحاكمة لمواطنيها المبدعين.. "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من ضرب الحسام المهند!"
ــــــــــــــــــــــ
* سينمائي وكاتب مقيم في هولندا