المنبرالحر

البرنامج الاقتصادي الحكومي في ضوء وثيقة اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الخصخصة واقتصاد السوق (2- 3) / د. عباس الفياض

إن الافتراض الذي تبنى عليه الخصخصة، هو ان تحويل الملكية من القطاع الحكومي الى القطاع الخاص سيؤدي الى تحسين أداء الشركات ورفع كفاءتها. وحول هذا الافتراض لا يزال النقاش قائماً في الأدبيات الاقتصادية. هل الخصخصة "العصا السحرية" التي ستحل الأشكالات وستأخذ بيد الاقتصاد وتبني التنمية التي يستهدفها البرنامج الحكومي. ولكي لانذهب بعيداً، علينا ان نفرق بين القطاع الخاص والخصخصة. فالخصخصة تعني أساساً هو بيع ممتلكات وأصول الدولة الى القطاع الخاص، وهي لاتعني اضافة جديدة للمنتوج الاجتماعي الاجمالي. بقدر ماتعني تغير الملكية. والسؤال هل الحل لمشاكل المؤسسات العامة في ?غير الملكية؟ وحول هذا السؤال اختلفت الإجابة من قبل البعض بين من أفترض، بانها الوسيلة لانتزاع أفضل أداء من المؤسسات المملوكة للدولة. في حين يرى آخرون ان مثل هذا الحل يشكل لغزاً. فإذا كانت الحكومة تمتلك القدرة والطاقة لاجراء خصخصة جيدة، فمن المرجح انها قادرة على تشغيل المؤسسات العامة بشكل جيد أيضاً. أما إذا لم تكن لدى الحكومة القدرة على تشغيل جيد للمؤسسات، فمن الطبيعي أيضاً ان تكون غير قادرة على اجراء خصخصة جيدة .
دخل الاقتصاد ما بعد2003 في حالة من الفوضى والعبثية. اذ توقفت نحو 200 مؤسسة ومعمل كانت تشكل العمود الفقري للبنية التحتية للاقتصاد الوطني. مثل الحديد والصلب والاسمنت والبتروكيماويات والاسمدة والكبريت والفوسفات والسكر والصناعات النفطية والغذائية والنسيج والاحذية والسيجائر والادوية والزيوت النباتية ومعجون الطماطم وغيرها. كما وتشير المعلومات الصادرة عن اتحاد الصناعات العراقي الى ان 90 بالمئة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة والبالغة 36 ألفا قد توقفت عن العمل منذ ذلك الحين. وبدلاً من اعادة الاعمار التي قدرت تكاليفها في ذلك الوقت ما بين 100-120 مليار دولار (تقدير البنك الدولي 100 مليار دولارأمريكي عام 2006) اقل اواكثر حسب هذه الاوساط. في الوقت الذي تشير مصادر الى انه منذ 2004-2012 جرى هدر اموال بقيمة 245مليار دولار أمريكي، وفي مصادر اخرى تقول فيها وزارة التخطيط ان ما تم هدره وتبذيره ونهبه بطرق الفساد المالي والاداري. حسب وزير التخطيط السابق، أنه تم توظيف 700 مليار دولار، من 2004 - 2012 لم يصرف منها سوى 20 بالمئة . والسؤال اين ذهبت 80 بالمئة من هذه الاموال؟! أما كان الأجدران يجري استثمارجزء منها في اعادة هيكلة، وتجدي? تلك المصانع والمؤسسات الانتاجية، بدلاً من الحديث عن المشاريع الوهمية التي يشير لها المسؤولون في الدولة وفي مجلس النواب، التي بلغت 6000 مشروع وهمي، وقد خصصت لها مبالغ بحدود 200 مليار دولار! ومعالجة الأزمة في الاقتصاد، وذلك بتنويع مصادره منذ البداية وحماية ودعم منتجاتنا المحلية. وأن غياب الدعم الحكومي لتنمية القطاع الصناعي، وعدم معالجة ذلك جعل قائمة الكلف الانتاجية المحلية، تفوق مثيلاتها في الدول المجاورة. وأدى ذلك الى ان الصناعي العراقي شدد العزم لإغلاق مصنعه او اللجوء الى الغش الصناعي او نقل مدخراته للعمل في القطاع التجاري، المتميز بالربح السريع او تهريب رؤوس الاموال واستثمارها في الخارج، وأدت هذه العملية الى تهميش واخراج القطاع الصناعي المحلي، وتفكيك القاعدة الانتاجية المحلية بكاملها. يقول لودفيج فون ميزس (يتوجب على الدول النامية تكريس رأس المال المحلي وجذب رأس المال الأجنبي، ولغرض تعزيز الأدخار المحلي من الجماهير، من الضروري التذكير بأن الأدخار يفترض سلفاً توفر وحدة نقدية مستقرة، وهذا يتضمن غياب أي نوع من التضخم. كما ان الامور الضرورية اللازمة لتحقيق المزيد من المساواة الاقتصادية في العالم يكمن في التصنيع وهذا ممكن تحقيقه فقط من خلال المزيد من الأستثمارات الرأسمالية وزيادة تراكم رأس المال، وقد يبدو غريباً لكم إنني لم اتعرض الى عامل يعتبر من العوامل الرئسية في التصنيع، ألا وهو إجراءات الحماية1) التأكيد للبرفسورميزس هنا على التصنيع، فتحنا السوق وحرية التجارة منذ 2003، ودعونا وندعو الآن للاستثمار بلا تحديد، ولم نحدد نوع أو اي استثمار يريده العراق وفي اي مجال؟ ومن دون ان نحدد ما هي الأولويات للاقتصاد.. وماهي الاصلاحات المطلوبة؟ يقول د. عباس النصراوي2:" لاجدال بأن العراق يحتاح الى مبالغ ضخمة من الاستثمارالاجنبي، ولكن الاستثمار الحقيقي الذي يحتاجه، هو الاستثمار الذي يضيف الى قدرته الانتاجية من السلع والخدمات، وليس الاستثمارالعقيم... فالاستثمار الاجنبي الذي سيشتري مشروعاً قائماً لن يؤدي سوى الى استبدال ملكية محلية بملكية أجنبية .من دون تغير مستوى إجمالي الانتاج المحلي للعراق، ويمكن ان ينطبق التحفظ ذاته على رأس المال المحلي، الذي سيستثمرفي مشاريع قائمة بالفعل. ما سيحرم الاقتصاد من استثمار رأس المال هذا في مشروعات جديدة، قادرةعلى زيادة اجمالي الانتاج المحلي".ان فلسفة البرنامج الاقتصادي للحكومة الحالية لا يختلف كثيرا عن التوجهات التي جاءت بعد التغيير، والتي تهدف الى اعتماد السوق محوراً للنشاط الاقتصادي وآليته وممارساته وتوجيهه والترويج الى مفهوم وممارسة الخصخصة. هذا الفكر يدفع المواطن لا الاقتصادي الى التساؤل والبحث عن الجدوى من ذلك، ويطالب المسؤولين بتقديم دراسات ومناقشات مفتوحة حول التحول الذي تشير له برنامج الحكومة، والى الجدوى الحقيقية منه واهدافه المنشودة او المقترحة وغاياته المستقبلية والنتائج المتوقعة وعواقبه المحتملة ومتطلباته الاقتصادية والسياسية المحلية والخارجية. إذا كان هدف البرنامج الاقتصادي للحكومة العراقية الحالية تحسين الوجه الحقيقي للاقتصاد، أي العمل على زيادة معدلات النمو وخفض معدلات البطالة المرتفعة وزيادة مستوى المعيشة للمواطنين فلا يقف احد بالضد منه. أما وقد طرح البرنامج الحكومي "إقتصاد السوق والخصخصة" التي لم تزكها التجارب العالمية، وبخاصة في البلدان النامية والدول العربية منها. فلا أعتقد بأنها ستقدم تحولاً ناجحاً للاقتصاد ان لم تؤد الى تهمشيه أكثر.
ففي دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي يعترف فيها انه لا يمكن الاستشهاد بأية حالة من حالات النجاح لبرامج إعادة الهيكلة التي تمت في أكثر من 160 دولة نامية. تقول الدراسة: (لا نسستطيع القول بثقة، اذا كانت هذه البرامج "التثبيت والتكيف الهيكلي" قد "عملت ام لا" على قاعدة الدراسات الموجودة لا نستطيع القول بثقة إذا كانت هذه البرامج المدعومة من قبل الصندوق قد توصلت الى تحسين الفعاليات في مجال التصميم والنمو الاقتصادي في الواقع، لقد اتضح غالباً ان وضع برامج التثبيت والتكيف الهيكلي بالتطبيق قد ترافق بزيادة في التضخم وفي معدلات النمو3) *الى هنا تنتهي دراسة صندوق النقد الدولي الصريحة .. .
وفي دراسة لرولف فان درهوفن قدمت في ندوة اعدها الصندوق الدولي العربي بالتعاون مع البنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى يقول فيها (لا تقدم تجارب تخصيص المنشآت العامة، براهين تمكننا من تقرير ما اذا كان من شأن تغير الملكية بحد ذاته تعزيزالكفاءة، فمن الصعب الفصل بين تأثير العوامل المختلفة على أداء المنشآت التي نقلت ملكيتها أو لمقارنة أدائها بالتنبوءات الموضوعة لأدائها على إفتراض بقائها ضمن القطاع العام. لقد اصبح واضحاً ايضاً انه لابد من الاعتراف بتكاليف الخصخصة وبالسبل الممكنة لأستخدام الايرادات الناجمة عنها، وقد بل?ت الخصخصة في بلدان عديدة أكثر مما كان مقدراً لها، ونادراً ما أدت دوراً هاماً في برامج الأستقرارعلى الرغم من إفتراض دورها من هذا القبيل4).. كما ويقول ميشيل كاميسو المديرالسابق لصندوق النقد الدولي: في معرض حديثه عن برامج التعديل الهيكلي في دول أوربا الشرقية "الأشتراكية سابقاً"أن النتائج مدعاة للاسف حتى وأن كانت غير مستبعدة التي تمثلت في الهبوط الكبير للانتاج وتصاعد البطالة5"
في هذا الصدد يشير معظم الأقتصاديين الى ان الأنفتاح التجاري ضروري، ولكن عندما تبلغ الصناعة درجة معينة من النضج ويشترط ان يكون الانفتاح بالتدريج وأنتقائي، فليس من المنطق ان تحرر التجارة، والبلد لم يجر فيه اي تطور في هياكله الاقتصادية، وفي بناء مؤسساته الأنتاجية القادرة على التنافس في عدد من الصناعات، وفتح الباب لدخول صناعات متقدمة، تمتلك تقنية عالية ومؤهلة تكنولوجياً وتستحوذ على مراكز تنافسيه. معناه قراءة الفاتحة على اي منتج محلي ان وجد! والسؤال المطروح اذا كان بريمر متسرعاً في توجهاته لاسباب عديدة لاحاجة لذكرها.. فلماذا يجري نفس التسرع من الحكومات المتعاقبة! الا يعرف اصحاب القرار والعاملون في الحقل الاقتصادي القريبون من سلطة القرار. ان التحرر السابق لأوانه وفتح السوق العراقية على مختلف المناشئ الاستيرادية الاقليمية والدولية يفتح سوق العراق الى منتجات ذات قدرات تنافسية عالمية، من دون توفير فرصة للتنافس المتكافئ بين المنتج المحلي والمنتج المستورد، الأمر الذي نتج عنه إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية الرخيصة غير المطابقة للمواصفات القياسية العراقية والعالمية وهو بحد ذاته سباق من جانب واحد يقضي بالخراب والدمارعلى كل منتج وطني، وهو توجه يتعارض مع سياسة الدولة الاقتصادية الداعية الى تعزيز القطاع الخاص. يتحدث لي احد الصناعيين العراقيين في تجربته عندما حاول ان يفتح مصنعا لانتاج حفاضات الاطفال مع أبنه فيقول: (عندما درسنا الجدوى الاقتصادية، وجدنا اننا غير قادرين على التنافس مع البضاعة نفسها القادمة من المملكة السعودية بنوعيتها وأسعارها، وقد ابطل المشروع. وكما يعرف ايضاً ان فتح الاسواق للتجارة الحرة، لايقتصر على مجرد فتح الاقتصاد العراقي امام المنتجات الاجنبية. بل ويشمل تخفيض الحواجز الكمركية على الواردات او إلغاءها، والوقوف بالضد من اية حماية كمركية للمنتج الوطني. وتتوسع الاجراءات لتشمل ايضاً الاقلاع عن اي توجيه يدعم المنتجات والصناعات المحلية، قد تساعد على الصمود في وجه المنافسات في الداخل او الخارج. فكيف وردت في توجهات الحكومة مفردات تتعلق بالحماية والتشجيع التي تتعارض وشروط اقتصاد السوق والانفتاح الحر للتجارة الخارجية المشار اليه؟ لماذا لم تجر حماية المنتجات التي صنعتها مؤسسات وزارة الصناعة ذات التمويل الذاتي؟
او يجر الزام الوزارات الحكومية بشراء منتوجاتهم على الأقل؟ أو يجر اعدادها وتطويرها بما يتناسب وشروط المنافسة مع منتجات اخرى محلية او اقليمية او دولية وإن لا يحرم 250 ألف عامل من العاملين في وزارة الصناعة من دفع رواتبهم في هذه المؤسسات بذريعة التمويل الذاتي.. أي تمويل ذاتي في ظروف عدم الحماية والتشجيع للمنتج المحلي وهي تعد مخالفة حقوقية لصالح العاملين في هذه القطاعات!
لوعدنا لقراءة تاريخ تطور البلدان الاوروبية والولايات المتحدة الامريكية وغيرها، نجد ان التصنيع والتنمية جرت في هذه البلدان ولم تحدث على أساس السياسات للمؤسسات التي يوحي بها الليبراليون الجدد للدول النامية أو يفرضونها ، بل قامت التنمية وجرى التصنيع في ظل ظروف اسوار الحماية والتشجيع. فلماذا حق الفرص المتكافئة الذي نالته الدول المتقدمة وأحرزت تقدماً، وأسست مزايا تنافسية تحرم منه الدول النامية؟! ولماذا نضع انفسنا في القالب الذي صممه "توافق واشنطن" وشروطه اللاإنسانية على البلدان النامية... يدور الحديث في ادبيات علم الاقتصاد حول السوق، وأغلب علماء الأقتصاد في الوقت الحالي يتبعون المدرسة الليبرالية الجديدة. التي يرى فيها الاقتصاد كشبكة من علاقات التبادل أفراد يشترون الاشياء من الشركات ويبيعون قدرتهم على العمل بينما تشتري الشركات وتبيع للافراد والشركات الاخرى،كما وينظر الى السوق بإنه يخلق التوازن بفعل اليد الخفية "تلقائية السوق" ولا نريد ان ندخل في نقاش واسع حول فرضية السوق والإشكالية حولها من قبل مدارس عديدة بما فيها المدرسة الليبرالية، ولكن هذا لا يعني مساواة الاقتصاد بالسوق. فالسوق ما هو إلا أحد اشكال تنظيم الاقتصاد، ليس السوق الآن كما كان ينظر له آدم سمث من قبل: الأقتصاد = السوق، إنما السوق يستحوذ على جزء صغير من الاقتصاد الحديث. كثير من الانشطة الاقتصادية يتم تنظيمها بتوجيهات داخلية في الشركات والى جانب ذلك ،فأن للحكومات تأثيرا وتباشر بنفسها على الكثير من قطاعات الاقتصاد. كما أن الحكومات والمنظمات العالمية مثل منظنمة التجارة العالمية ترسم حدود السوق وتضع قواعد العمل داخله. لاحظوا ما يجري في السوق الثانوية او الثالثة التي لا تتطاب حضور من يشترون ومن يبيعون، بل يقوم السماسرة بهذه الأدوار بفعل تطور تكنولوجيا المعلومات. هربرت سايمون مؤسس المدرسة السلوكية، قدر الأنشطة الأقتصادية التي تتم داخل إطار السوق في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 20 بالمئة.كما ويشار الى أن التركيز على السوق ادى الى تجاهل كثير من علماء الاقتصاد، لمجالات كثيرة من الاقتصاد في حياتنا. مما ادى الى نتائج سلبية على جودة حياتنا. اهمال الأنتاج مقابل الاهتمام بالتبادل سهل على واضعي السياسات في بعض البلدان ان يرتضوا انهيار الصناعة، وكلنا تابعنا ما حصل من إزمة مالية في الاقتصاد العالمي عام 2008-2009 التي هزت الاقتصاديات في مختلف البلدان ومستمرة لحد الان، وما زالت قمم العشرين تعقد لوضع ضوابط للاسواق آخرها ما جرى انعقاده لرؤساء البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين ورئيس بنك التسويات الدولية حول تبادل وجهات النظر والخبرات وتهيئة الاجواء لرؤساء الدول المعنية لانعقاد مؤتمرهم في إستنبول 2015 تحت شعار "تحفيز الاقتصاد العالمي" والتحفيز يأتي من الدول (وهذاما اعتادته قمم العشرين منذ مؤتمر لندن2010) وليس من الأسواق كما يفترض، وهذه تعتبر مخالفة نظرية تتعارض مع مفاهيم إقتصاد السوق، الداعية الى عدم تدخل الدولة في الاقتصاد. فكيف يتوقع ذوو الشأن ان مبادئ السوق ستحقق اعلى منفعة للشعب العر اقي وبعد كل هذه التجارب المخيفة التي قدمت. يقول نعوم جومسكي "أنا أعرف أمثلة عديدة خربت حرية السوق إقتصادها، ولا أعرف مثالاً واحداً نجح فيه بلد واحد بأن يبني إقتصاده على اسس حرية السوق، ومن يعرف مثالاً لذلك أكون ممنوناً له أن يخبرني". فالسوق بهذا المعنى يتحدد بالمكان حيث يجتمع البائعين والمشترين. او محل لقاء يجمع الشركات والاشخاص لتبادل السلع او هو التقاء العرض والطلب للسلع والخدمات ورؤوس الأموال أو عملية تنظيم تمكن البائعين والمشترين للسلعة من الاتصال ببعضهم. أما الاقتصاد فهو أكبر بكثير من السوق ولن نستطيع بناء اقتصاد جيد او مجتمع جيد إلا اذا نظر الى ما هو وراء السوق. ان توافق واشنطن يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص وهو يتعارض مع نص قواعد العدالة التي أشرت عليه المواثيق الدولية باعتباره شرطا ضروريا لوضع مبدأ: "الحق في التنمية". نحن نتحدث عن المنافسة الكاملة في عصر الاحتكارات ونتحدث عن التوازن في عصر اللاتوازنات وحرية الاختيار للمستهلك في وقت تتشوه فيه تفضيلات المتسهلكين بفضل سطوة الاعلان في ظل العولمة.
لقد حذر أبو الاقتصاد السياسي آدم سمث وهو صاحب "دعه يمر دعه يعمل" في كتابة ثروة الأمم عدة مرات من خطر الأحتكار الذي يمكن ان يتولد ان تركت السوق بلا اية تنظيمات او تشريعات فيأكل الكبار من المنتجين والمستهلكين فيها الصغار ومن خطر ان تتحول المصالح الفردية شديدة الأنانية الى سوط عذاب مسلط على المصلحة الجمعية.. فأين نحن من هذه التحذيرات!
وبالنسبة للبرنامج الجديد للحكومة كيف يجري تحسين الظروف المعيشية والخدمية للمواطنين الوارد في البرنامج الحكومي؟ هل بالخصخصة وباقتصاد السوق وبشروطه المعروفة! هل في التوسع في مجال الاستيراد؟،هل بفتح الباب على مصراعيه للاستثمار الأجنبي والسوق العراقية للمنتجات الخارجية وبيع الأصول المملوكة للدولة عن طريق الخصخصة، كبديل عن الاقتصاد الوطني. وأي قطاع خاص؟، هل المقصود الوطني، الذي لم توفر له الحماية والدعم ام غيره؟ وإذا ما عرفنا الإمكانيات الفعلية للقطاع المحلي فأن المقاربة المطروحة للاستثمار لتنمية الاقتصاد الوارد في البرنامج الحكومي الحالي هوالبحث حول الشريك الاستراتيجي "المال والتكنولوجيا" فهذا يعني ان المقصود والتعويل على الأستثمارات الأجنبية. ومعنى ذلك تتحول ال?لكية من ملكية وطنية الى ملكية اجنبية وهنا الامر يدعو للتوقف بعناية بعيدة عن المجاملات، هذا اذا اعتقدنا ان الشركات المتعدية الجنسية بعيدة عن الاحتكار! أوإننا لم نبدل احتكار الدولة بأحتكار القطاع الخاص!، هذا من جانب ومن جانب آخرفأن الاجنبي حينما يمتلك الإصول من قطاع الدولة تترتب عليه حقوق ملكية لهذه الأصول، وهذه الحقوق تتعلق بالارباح التي يريد إرسالها الى بلده، وعليه تحويلها الى عملة صعبة، وهذا ما يؤثر على ميزان المدفوعات، وبدوره يؤدي الى تخفيض العملة الوطنية .وهنا وقعنا بمطبين الاول الحساب الجاري على اثر ال?نفتاح والسوق الحر الذي جرى الكلام عنه والثاني في ميزان المدفوعات الذي نتحدث عنه وكلاهما يشكلان عجزاً و اشكالاً للناتج المحلي الأجمالي G.D.P والناتج القومي الاجمالي G.N.D وبدلاً من إصلاح الخلل فيهما كي نحمي الاقتصاد، فالتوجه الحالي يعمق ذلك6. كما ان من المخاطر التي لا بد وان نهتم بها في هذا الميدان، ماذا لو ان الأجنبي قد باع حصته لطرف آخر لا يكن المودة للعراق؟! وهذا يعرض العاملين الى الطرد والاستغناء وحرمان المكاسب التي تحققت من قبل.. ام إننا نستمر في زيادة الاعتماد على الانتاج النفطي الخاضع للاسواق الخارجيي ويعني ارتهان العراق على الموارد الريعية التي تفتح شهية الفساد المالي والاداري المستفحل!7
يقول د. مصطفى الرفاعي: هنالك حقائق مهمة واحداث شهدتها مصر تحتاج الى وقفة وتحليل أملاً في الوصول الى بر الامان، واستثمار ما لدينا من ثروات وبث الثقة والطمأنينة في نفوس أبنائنا. فتحنا الباب على مصراعيه للأستثمارالأجنبي والغربي بلا ضوابط، وألغينا قانون حظر تمليك الاراضي والعقارات للاجانب، فما الذي حدث يقول د.مصطفى ماذا حدث، لم يتجه الاجانب الى الاستثمار في تشييد صناعات على ارض مصر تفيدنا في زيادة معدلات التنمية، وفي نقل التكنولوجيا وتكوين الخبراء والكوادر وفي تطوير الصناعة المصرية. تعامل الاجانب مع البورصة المصرية "سوق الاوراق" بالمضاربة، فكان دخولهم وخروجهم منها كارثياً على المصريين وعلى اقتصادنا، الخسائر من مدخرات المصريين كانت بالمليارات، حققت البورصة المصرية أسوأ هبوط بين بورصات العالم الغربي والعربي، نتيجة الخروج السريع للأموال الساخنة". وبعد ان يقدم الوزير المصري المذكور بعض الشواهد يتوقف عند الخصخصة ليقول "اذا كانت الخصخصة هي استجابة لضغوط خارجية او لتغطية عجز الموازنة، فأننا نرى انها علاج وقتي لايعالج الداء، بيع الأصول هو طريق بيع الأصول هو طريق الأستسهال، العلاج الحقيقي يكون التنمية وبناء قواعد إنتاج ب?ؤسسات عصرية توجه لها مدخرات المصريين في الداخل والخارج".
أما الوزير د. مختار حطاب في الحوار الذي أجرته معه اليوم السابع القاهرة- في 5 كانون الاول 2008 حول الإجابة عن الخصخصة في مصر بقوله: "ان الخصخصة نظام فاشل وقرارات البيع تأتي بأوامر عليا، إنه توجه سياسي وبعض المنافقين زفوا القرار. وأمام سؤال: هل الخصخصة هو اقتراح محلي أم من الخارج أجاب الوزير: أنه أقتراح محلي ولكن دوافعه هو التحالف الأستراتيجي مع أمريكا وعند التساؤل هل برنامج الاصلاح الاقتصادي بالكامل بما فيه الخصخصة خاضع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؟ الاجابة: طبعاً.. فالبرنامج بالكامل بما يتضمنه من سياسات تحرير التجارة وتحرير سعر الصرف وغيرها خاضع للاتفاقية ونكتفي بهذا القدر من اجابات الوزير المصري الذي كان متحمساً لأجراءآت الخصخصة في مصرفي التسعينات من القرن الماضي . ونخشى من التوجهات السياسية للمحاصصة ان تحول اصول وممتلكات الدولة كأحد المصادر لتمويل الموازنات العامة، وتباع خرده بعد تأهيلها للبيع من اجل تغطية العجز، فإذا كانت الحكومات المتعاقبة قد فشلت في تحقيق معدلات مهمة في أهداف خططها الاستثمارية وهذا ما يشير له المسؤولون أنفسهم، وبالتالي فشلها في تحقيق زيادة مهمة في معدلات الناتج الأجمالي القومي، طب?اً للمؤشرات العلمية وعدم تمكنها من تحقيق تحسن واضح في مستويات المعيشة. فلماذا توجهات برنامج الحكومة الحالية ينحو ذات التوجه؟.. ولا نكتفي بمحاذير ومخاطر دول نامية اتجاه الخصخصة وانما دول متطورة صناعياً .
إذ ان في سعي رأس المال الخاص للربح السريع ما يدفعه الى الاحجام عن الأستثمارات المكلفة. التي تتطلب زمناً أطول لأسترجاعها، وأن كانت تحقق تقليصاً في التكلفة على المدى الأبعد، وبالتالي سلع وخدمات بأسعار أقل للمستهلك، وهذا ما جعل المملكة المتحدة - اولى الدول المروجة للخصخصة - ان تتدخل ضد إسلوب الأستثمار الذي يقوم به القطاع الخاص في مجال الكهرباء والتي نقلت إليه، وحافظت على الاسهم الذهبية التي يتيح للحكومة التدخل في حالة الازمات او مخالفة الشركة في ادارة المنافع والخدمات، وفي بريطانيا أيضا بالرغم من أنها دولة كبيرة ومتقدمة. كان هناك حرص شديد على ان لا تقع ملكية محلات "هارودز"Harrods"8 بلندن بين يديّ اخوان محمد الفايد المصريين، وإن لا تزيد حصة مكتب الأستثمار الكويتي في شركة البترول البريطانية بعد تحولها للقطاع الخاص عن 9بالمئة
ومما يذكر إن مكتب الاستثمار الكويتي، قام بشراء 10,6 بالمئة من أسهم شركة البترول البريطانية بعد تحويلها للقطاع الخاص في تشرين الاول عام 1987. عندما طرحت الحكومة البريطانية حصتها الباقية بهذه الشركة والبالغة 32 بالمئة للاستثمار. وعلى الرغم من أن المساهمة الكويتية في شراء أسهم هذه الشركة أدت الى أنقاذ الاسهم المطروحة من أنهيار سعري. حيث كان ذلك في أعقاب أنهيار أسعار الاسهم في أسواق المال العالمية.
إلا إن لجنة مكافحة الاحتكار تحركت ضد مكتب الاستثمار الكويتي، عندما زاد حصته في هذه الشركة الى 21,25 بالمئة في آذار 1988. كما عارضت اطراف متعددة في بريطانية هذه الصفقة، بأعتبار إن معظم الشركات التي حولتها الحكومة للقطاع الخاص، ومنها شركة البترول قد باتت بين يدي ملاك أجانب، وانتهى الامر بصدور حكم قضائي بألزام مكتب الاستثمار الكويتي بخفض حصته بهذه الشركة الى 9 بالمئة عن طريق بيع ما زاد عن ذلك من أسهمه فيها، وفي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان تطالب المنظمات الأقليمية الدولية الأقتصادية هاتين الدولتين بضخ عشرات المليارات من الدولارات لتطوير بناها التحتية ومرافقها العامة التي اصبحت متخلفة، بالمقارنة مع مستوى تطور قطاعات الأنتاج الأخرى. ففي أمريكا تعاني نقصاً في الاستثمارات اللازمة للبنية الاساسية ولصياناتها وتجديدها بأستمرار، وقد ظهر انقطاع التيار الكهربائي في مدن وأقاليم بأكملها. حيث تكررت في السنوات الاخيرة حوادث ظهر النقص في بطء مواجهة الكوارث الطبيعية مثل أعصار كاترينا لعدم كفاية الخدمات.
هكذا إذن تبين المعطيات والتجارب وبأعتراف الهيآت المشرفة والمطالبة بالخصخصة على الصعيد العالمي، ان نقل الملكية لم يبرهن على صحة الأدعاء بتحسن الإنتاجية والفعالية وزيادة النمو الاقتصادي.بل أظهرت التجارب التردي الواضح في مستوى الخدمات العامة لأغلب الأنشطة الخدمية والأنتاجية، وحصول تراجع واضح في مستوى أداء العاملين في مختلف الأنشطة طبقاً للمعايير الدولية. كيف نعالج الحالة في الاقتصاد العراقي، هل بالأسس التي بنيت عليها رؤية توجهات البرنامج الحكومي الداعي للتحول للقطاع الخاص؟ فما هي هذه الأسس التي جعلت من أقتصاد السوق و القطاع الخاص أكفأ في الإنتاجية من قطاع الدولة، هذا ما نحاول التقرب منه في القسم الثالث من الحوار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إنظر لودفيج فون ميزس في مؤلفه - السياسة الاقتصادية آراء لليوم وللغد – ترجمة د.حازم نسيبه ومراجعة وتدقيق فادي حدادين- الاهلية للنشر والتوزيع- الاردن 2007 ص122 -
2- د. عباس النصراوي- دفاعاً عن القطاع العام- منشور باللغة الإنكليزية – وجرت ترجمته في مجلة الثقافة الجديدة العراقية.
3- 1Cite par Michel Chussu Dovsky in LaMondialisation De La Pouvrete Ed ecosociete-Montreal-Canada,1998,P.62
4- الأثار السلبية للتصحيح الاقتصادي في الدول العربية – تحرير طاهر كنعان – إصدار صندوق النقد العربي – الصندوق العربي للاتحاد الاقتصادي والاجتماعي – ابو ظبي 1996،ص4،31
5-Wlmichel Chossudovsy- Comment eviter La mondialistiom de Pauvrete, September 1991 ie mond iplomatiqu.
6- هذه المحاذير والمخاطر تنطبق أيضا لما جرى في أقليم كردستان من المشاركة في الانتاج مع الشركات النفطية الاجنبية.
7- كان للكاتب بحث تحت عنوان مظاهر الفساد وأثره على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق، قدم في المؤتمر السابع لكلية الادارة والاقتصاد في جامعة البصرة عام 2013 ونشر في المجلة العلمية للجامعة الموقرة في عام 2014.
8- محلات هارودز كانت سابقاً يمتلكها الملياردير المصري محمد الفايد، أما الآن فيمتلكها أحد الإمراء من دولة الإمارات المتحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث في العلوم الاقتصادية - يقيم في المملكة المتحدة.