المنبرالحر

البرنامج الاقتصادي الحكومي في ضوء وثيقة اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الخصخصة واقتصاد السوق (3- 3) / د. عباس الفياض

الحديث في ادبيات علم الاقتصاد حول السوق1، واكبته عبر مراحل تاريخية مرت بها البشرية التي طبقت مبدأ تقسيم العمل وتطورت الافكار حوله من مختلف المدارس الفكرية المعروفة في علم الاقتصاد2 بين معارض ومؤيد. ويعتبر آدم سمث قد وفر عنه رؤية متطورة في مؤلفه ثروة الامم ،حيث كان مهتماً بالجانب الاخلاقي في التعامل على اساس الثمن العادل وبإفتراضه ان الاقتصاد يكون في أوج نشاطه بدون تدخل الدولة.
أما الآن فأن أغلب علماء الأقتصاد في الوقت الحالي، يتبعون المدرسة الليبرالية الجديدة. التي يرى فيها الاقتصاد كشبكة من علاقات التبادل. أفراد يشترون الاشياء من الشركات ويبيعون قدرتهم على العمل، بينما تشتري الشركات وتبيع للافراد والشركات الاخرى،كما وينظر الى السوق بإنه يخلق التوازن بفعل اليد الخفية «تلقائية السوق» ويبدو إنها في العراق معطلة! فلم تحل اليد الخفية المشكلات الأقتصادية مثل البطالة والتضخم والعجز في ميزان المدفوعات، كما أنها غير قادرة على المستوى العالمي منذ (2008-2009) ، ولانريد ان ندخل في نقاش واقع حول فرضية السوق والإشكالية حولها من قبل مدارس عديدة بما فيها المدرسة الليبرالية، أذ ينتقد نظام السوق لعدم مراعاته العدالة في توزيع الدخل. لكونه يستند في الاطار العام لنظامه على فرضية ضمنية مفادها «الرجل الاقتصادي» ان لدى جميع الافراد القدرة على النفاذ للاسواق (سوق العمل ،سوق البضائع ،سوق المال ..الخ) أو المشاركة في العملية الانتاجية، ومن ثم فأن وجود فئات لاتستطيع الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتها لم تلق النظرية له بالاً، ويشكل ذلك احد قصور وفشل السوق على مستوى التوزيع، ولكن هذا لايعني مساواة الاقتصاد بالسوق. فالسوق ما هو إلا أحد اشكال تنظيم الاقتصاد،ليس السوق الآن كما كان ينظر له آدم سمث منذ أكثرمن قرنين: الأقتصاد = السوق ، إنما السوق يستحوذ على جزء صغير من الاقتصاد الحديث، كما يشير له العديد من الاقتصاديين.إذ ان كثيراً من الانشطة الاقتصادية يتم تنظيمها بتوجيهات داخلية في الشركات، والى جانب ذلك فأن الحكومات، لها تأثير وتباشر بنفسها على الكثير من قطاعات الاقتصاد. كما أن الحكومات والمنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية ترسم حدود السوق وتضع قواعد العمل داخله. ويأتون بملاحظات ما يجري في السوق الثانوي? او الثالثة، التي لاتتطلب حضور المشترين والبائعين، بل يقوم السماسرة بهذه الأدوار بفعل تطور تكنولوجيا المعلومات. هربرت سايمون مؤسس المدرسة السلوكية، قدر الأنشطة الأقتصادية التى تتم داخل إطار السوق في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 20بالمئة. كما ويشار الى أن التركيز على السوق ادى الى تجاهل كثير من علماء الاقتصاد، لمجالات كثيرة من الاقتصاد في حياتنا. مما ادى الى نتائج سلبية على جودة حياتنا. اهمال الأنتاج مقابل الاهتمام بالتبادل سهل على واضعي السياسات في بعض البلدان ان يرتضوا انهيار الصناعة (وكلنا تابعنا ماpصل من ازمة مالية في الاقتصاد العالمي عام (2008- 2009)3 التي هزت الاقتصاديات في مختلف البلدان ولازالت مستمرة لحد الان، ولاتزال قمم العشرين تعقد لوضع ضوابط للاسواق .آخرها ما جرى انعقاده لرؤساء البنوك المركزية لدول مجموعة العشرينG20 ورئيس بنك التسويات الدولية BIS حول تبادل وجهات النظر والخبرات الذي صرحت به كرستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي: ان الوقت مهم جداً نظراً لمخاطر انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة في العديد من الدول.. وأنهم يعملون لتهيئة الاجواء لرؤساء الدول المعنية لانعقاد مؤتمرهم في إستنبو? 2015 تحت شعار «تحفيز الاقتصاد العالمي» والتحفيز يأتي من الدول (وهذا ما اعتادت عليه قمم العشرين منذ مؤتمر لندن 2010) وليس من الأسواق كما يفترض، وهذه تعتبر مخالفة لنظرية تتعارض مع مفاهيم إقتصاد السوق، الداعية الى عدم تدخل الدولة في الاقتصاد. فكيف يتوقع ذوو الشأن ان مبادىء السوق ستحقق اعلى منفعة للشعب العراقي؟! عقل يمجد كفاءة الأسواق الحرة في ظل فشل الاسواق ويميل الى التجريد بدلاً من مواجهة مشاكل واقع الأقتصاد ، وبعد كل هذه التجارب المخيفة التي قدمت. يقول نعوم جومسكي: « أنا أعرف أمثلة عديدة خربت حرية السوق إقتصادها، ولا أعرف مثالاً واحداً نجح فيه بلد واحد بأن يبني إقتصاده على اسس حرية السوق، ومن يعرف مثالاً لذلك أكون ممنوناً له أن يخبرني»4. فالسوق بهذا المعنى يتحدد بالمكان. حيث يجتمع البائعون والمشترون. اومحل لقاء يجمع الشركات والاشخاص لتبادل السلع، او هو التقاء العرض والطلب للسلع والخدمات ورؤوس الأموال. أو عملية تنظيم يمكن البائعين والمشترين للسلعة من الاتصال ببعضهم. أما الاقتصاد أكبر بكثير من السوق ولن نستطيع بناء اقتصاد جيد او مجتمع جيد إلا اذا نظرنا الى ما هو وراء السوق، ومن قبلهم اشار»كارل ماركس» لاتستطيع البضائع أن تذهب وحدها الى السوق ولا ان التبادل فيما بينهما، فعلينا - إذن - لفت إنتباهنا نحو حراسها وموجهيها يعني مالكيها..»5. ان توافق واشنطن يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص وهو يتعارض مع نص قواعد العدالة التي أشرت عليه المواثيق الدولية بإعتباره شرطاً ضرورياً لوضع مبدأ :»الحق في التنمية» نحن نتحدث عن المنافسة الكاملة في عصر الاحتكارات ونتحدث عن التوازن في عصر اللاتوازنات وحرية الاختيار للمستهلك في وقت تتشوه فيه تفضيلات المستهلكين بفضل سطوة الاعلان في ظل العولمة. وبهذا الصدد يشيرالبروفسور الاقتصادي جوزيف ستكلتز الحائز على جائزة نوبل الى ان تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة «من ان الفرضيات التي تشكل أساس اصول السوق لم تصح في البلدان المتقدمة فضلاً عن البلدان النامية.. كما يقول أيضاً كان آدم سمث يعي تماماً محدوديات السوق. بما فيها ذلك التهديدات التي تشكلها عيوب المنافسة أكثر من أولئك الذين، يدعون بأنهم أتباعه المحدثون, واشار أيضاً إن بإمكان الحكومات، ومن واجبها أن تعتمد توجهات تساعد بلدانها على النماء، كما تؤمن أيضاً تقاسماً أكثر عدلاً لثمار النمو. وفي مكان آخر يقول لقد لعبت الحكومة دوراً مهماً ليس بالتخفيف من حدة أخفاقات السوق فحسب، بل في ضمان العدالة الاجتماعية. إذ تركت عمليات السوق بحد ذاتها العديد من الاشخاص يعيشون على موارد قليلة من أجل البقاء وفي البلدان التي كان نجاحها على أشده في الولايات المتحدة وشرق آسيا «النمور الاسيوية» وحتى الصين قامت الحكومات بهذه الادوار وأدتها في جزئها الاعظم بشكل جيد. كما حذر أبو الاقتصاد السياسي آدم سمث وهو المتبني فكرة» دعه يعمل دعه يمر» في كتابه «ثروة الأمم» عدة مرات من خطر الأحتكار الذي يمكن ان يتولد ان تركت السوق بلا اي تنظيمات او تشريعات فيأكل الكبار من المنتجين والمستهلكين ?يها الصغارومن خطر ان تتحول المصالح الفردية شديدة الأنانية الى سوط عذاب مسلط على المصلحة الجمعية.. فأين نحن من هذه
التحذيرات! حرياً القول: اذا كان هدف الحكومة الحالية بأتجاه تحقيق مكاسب إنتاجية في مؤسسات الدولة بإعادة الهيكلة قبل خصخصتها. فلماذا لا تجري هيكلتها بدون الخصخصة، وحل مشاكل المؤسسات الحكومية؟ السؤال الكبير: هل ان نقل الملكية من القطاع العام الى الخاص سيؤدي الى تحسين أداء الشركات وكفاءتها وتقديم الخدمة الأفضل وبالسعر الأنسب؟! وأمام هذا السؤال الكبير اختلف الأقتصاديون. بين من يرى ان الملكية تؤثر على الكفاءة Efficiency- لأعتبار ان الملكية، ليست محايدة فهي تؤثر على العمل وأداء الشركات، وهناك من يرى ان الملكية لاتؤثرعلى الكفاءة، ولكن حجم المنافسة والأدخارالتنظيمي، يعتبران اكثر أهمية من عنصر الملكية في مدى تأثيرها على الكفاءة الأقتصادية، وغيرهم يقول ان ارباح الشركات وأنتاجية العمل وحجم المبيعات في الشركات المخصخصة يرتفع. وأمام هكذا تباينات في الرأي، تتطلب العودة الى مفهوم الكفاءة في سياق التحليل الأقتصادي الكلي، وماذا يعطينا من معنى في هذا الصدد؟. المعنى الأول: تنعكس فيه قضية الكفاءة من منظور التوزيع الأمثل للموارد المتاحة?بين الرغبات المتزاحمة، وتعني الكفاءة وفق هذا المنظورضرورة تنظيم الوحدات المسؤولة عن الانتاج والاستهلاك في المجتمع، بحيث يحصل ذلك المجتمع على أقصى ما يمكن من السلع والخدمات التي يرغبها وبالمقادير المناسبة .
المعنى الثاني: في هذا السياق ينعكس مفهوم الكفاءة من منظور الأستخدام الكامل للموارد المتاحة. فتعطل الموارد جميعها أو بعضها، بينة قاطعة على إنعدام الكفاءة، ما دامت هناك رغبات لم يتم اشباعها بالكامل، وعلى هذا النحو فأن علم الأقتصاد يتبنى مفهوم الكفاءة ويرى فيها جزء من الخلق الأجتماعي ، بمعنى إنه يرى فيها هدفاً يستحق السعي إليه ومن هذا التحليل فأن منطق الكفاءة لايتعلق بالملكية سواءً للقطاع العام أم القطاع الخاص7.لا نريد فقط الاشارة كون منطق الكفاءة لا يتعلق بالملكية وانما الاشارة الى منطق الثقة الزائدة في عقلانية القطاع الخاص واقتصاد السوق الحرة والثقة بأن ترك الحرية للافراد الراكضين وراء مصالحهم سيحققون مصلحة البلد بأسرة المدفوعين وراء تعظيم ارباحهم ودفع شركاتهم ومؤسساتهم بشكل لا أخلاقي في تقديم القروض غيرالمضمونة التي راح ضحيتها الملايين من المواطنين في أمريكا وفي غيرها من البلدان، وادخلت العالم في ازمة مالية واقتصادية يطول الحديث عنها، والتي جعلت الكثير من الذين يثقون بعقلانية نظام السوق الحرة وحرية الراكضين وراء مصالحهم، لايحققون مصلحة المجتمع وأخذ هؤلاء يعيدون النظر ويحسون بخطأ التوجه وضرورة التروي والحذربهذه الأصولية هذا على المستوى العالمي. فهل لدى واضعي البرنامج عندنا الثقة بأن من يمثلون القوى السياسية من اصحاب القرار، قادرين على ان يحققوا المصلحة المجتمعية لابناء الشعب العراقي بنموذج عدم تنازلهم عن مخصصاتهم رغم الازمة التي يمر بها الاقتصاد. نعود الى تساؤلنا هل نقل الملكية الى القطاع الخاص سيكون الافضل كفاءة يجيبنا الاقتصادي الكوري الجنوبي الاستاذ في جامعة كامبرج البريطانية في مقالة مثيرة تحت عنوان «فلنضع حداً لهذه العقيدة الشائعة عن الخصخصة..فالحقيقة أن الملكية العامة أفضل» ولنسمع ما يقول في مقال نشرت? جريدة الجارديان البريطانية Ha Joon Chang يقول ها جون تشانج (انه آن الاوان أن نعترف بالحقيقة ، وهي ان القطاع العام في احوال كثيرة اكثر كفاءة من القطاع الخاص. صحيح ان هناك أمثلة كثيرة في العالم كله يكون فيها القطاع الخاص اكثر كفاءة، ولكن الأمثلة العكسية كثيرة أيضا . إذ يشير الى حركة التصنيع في ألمانيا واليابان في القرن التاسع عشر ، كانت بإقامة الدولة لمشروعات نموذجية جديدة مثل صناعة الصلب وبناء السفن. مما كان القطاع الخاص يعتبره في ذلك الوقت مخاطرة كبيرة، وأحجم عن القيام بها. وخلال نصف القرن على إنتهاء الحرب العالمية الثانية .اعتمد كثير من البلا? الأوروبية على الدولة لتطوير بعض الصناعات المتقدمة تكنولوجياً، مثل دور الدولة في فرنسا في إقامة مصانع رينو للسيارات، وكذلك في النمسا وفلندا والنرويج. كما وينوه الاقتصادي الكوري الجنوبي «تشانج» الى ان دولة سنغافورة، التي يضرب بها المثل عادة، التي يقوم نجاحها على تشجيع القطاع الخاص وحرية التجارة . هي بالحقيقة من أكثر دول العالم اعتماداً على ملكية الدولة للمشروعات الاقتصادية. حيث ينتج القطاع العام 22بالمئة من الناتج القومي الإجمالي لسنغافورة، وتقوم المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الاسكان بتزويد المنازل 85بالمئة?من السكان. كذلك ينتج القطاع المملوك للدولة في تايوان 16بالمئة من اجمالي الناتج القومي، وفي كوريا الجنوبية، تعتبر الشركة القائمة بإنتاج الصلب التي أنشأتها الدولة، خلافاً لنصيحة البنك الدولي تعد واحدة من اكبر الصناعات المنتجة للصلب في العالم كله، ولم يكن قرار خصخصتها في سنة 2001 ناتجاً عن انخفاض كفاءتها، بل لاسباب سياسية محضة. كما ويذكر تشانج امثلة كثيرة في مختلف انحاء العالم عن صناعات ناجحة تملكها الدولة، او تديرها مثل صناعة الطائرات المدنية في البرازيل «ثالث أكبر صناعة في هذا الميدان في العالم» وأيضاً شركة البترول البرازيلية Petrobras - Posco التي تعتبر أيضاً أكبر شركة في العالم لاستخراج البترول في اعالي البحار، بالاضافة الى الصناعات التي أقامتها المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة الامريكية. التي قامت بتدشين الاقتصاد الحديث القائم على ثورة المعلومات وتطوير الحاسبات الالكترونية والانترنيت. ويختتم الاقتصادي الكوري الجنوبي بالقول لو أدرك الناس كم يمتلئْ تاريخ الرأسمالية بالامثلة الناجحة لمشروعات اقتصادية مملوكة للدولة، فربما توقف هذا الأندفاع غير المبرر نحو المزيد من الخصخصة). كما يحتل قطاع الكهرباء الفرنسي الذي تديره شركة فرنسية مملوكة للدولة المرتبة الثانية أوربا، وتقوم الشركة بالاستثمارات في بلدان متعددة مثل البرازيل والارجنتين وحتى بريطانيا وألمانيا وفي مصر. وفي مكان يقول ها جون تشانج آخر نشرته جريدة الأندبيندت البريطانية The Independent في 23 تموز 2007 تحت عنوان (سياسة الحماية الحقيقية على ورقة 10 دولارات الأمريكية) يشير فيها بسخرية الى منظري أقتصاد السوق الحرة لتبرير تحرير التجارة بشكل سريع في الدول النامية، لانهم يحتاجون الى أقصى قدر ممكن من المنافسة. ليكون اقصى حافز لزيادة الأنتاجية، وكلما كانت المنافسة اسرع كلما كان ذلك أفضل للتنمية الاقتصادية. مشيرا لهم الى كل ما كان الاطفال بحاجة الى رعاية لكي يتمكنوا من المنافسة في الوظائف ذات العائد الكبير، فأن الصناعات في الدول النامية، تحتاج الى الوقاية والحماية .من المنتجين الأجانب الأكثر تطوراً حتى تكبر، وهي بحاجة الى الحماية والدعم الحكومي، ليتمكنوا من اتقان التكنولوجبا المتطورة. مشيراً الاستاذ في جامعة كامبرج ايضاً ان أمريكا وبريطانيا كانتا من أكثر الدول نجاحاً في استخدام التعريفات الجمركية لحماية صناعاتها الوليدة، كما أنها وضعت قيوداً على الأستثمار الأجنبي عندما ارادت حماية صناعتها الوليدة، وليس امريكا وحدها وانما اليابان وكوريا. أما فلندا فأنها وصفت الشركات التي يمتلك الجانب أكثر من 20بالمئة منها صنفت على انها شركات خطيرة وذلك طيلة الفترة من الثلاثينات الى ثمانينات القرن العشرين وأكتفي من ارض هذه الامثلة العالمية التي استطاعت سياستها الاقتصادية ان تضع بلدانها على الطريق الصحيح سواء نتفق في هذه الجزئية ام تلك.
،يؤكد البرفسورالأمريكي دوكلاس نورث Douglass North- الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد (بأن نقل القواعد السياسية والاقتصادية الرسمية لاقتصاديات السوق الغربية الناجحة الى بلدان العالم الثالث وبلدان أوربا الشرقية. ليست شرطاً كافياً لحسن الاداء الاقتصادي، وأن البنك الدولي غير سياسته وأعاد تقييم منهجه الذي يطلب بموجبه تطبيق برامج الخصخصة، كشرط مسبق لتقديم القروض أو تخفيف عبء الديون، ويضيف ايضاً نورث كما ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. اللذان كانا لعقود من الزمن مسؤولين عن فرض الخصخصة بشكل قوي ،أصبحا الآن متحفظين وأقل دوغمائية «تصلباً» بخصوص الحاجة الى التحو? السريع وأصبح الآن من المألوف والشائع في السنوات الاخيرة رفض مقولة أفضلية وضرورة الخصخصة. ويواصل الاقتصادي المريكي نورث قائلاً.. فضلاًعن ذلك فأن هذه البرامج تؤدي الى تقليص مساحة الاقتصاد الخاضع لسيطرة الدولة وتوسيع المصلحة الخاضعة لسيطرة السوق. الأمر الذي يدفع الى اضعاف دور الحكومة في تقديم الدعم والمعونة والاسناد للفئات الضعيفة في المجتمع وأخضاعهم الى قوانين السوق).
أحاول ان أختصر، ما طرحت رئيسة صندوق النقد الدولي في محاضرة لها، إقيمت في لندن في شباط من العام الماضي أثر مرور مئة عام على الحرب العالمية الاولى. ذكرت العالم بمآسي الحروب والضحايا وحالة الاقتصاد والأزمات ،كما وذكرت العالم بأفكار تقدم بها كنز وتأسيس الصندوق و البنك الدوليين التي خلقت حالة من الاستقرار النسبي. التي حصلت بعد ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تتوقف عند الليبرالية الجديدة ولم تتحدث عن الأسواق. بل عبرت عن مخاوفها من عدم الاستقرار بعد ان قدمت ارقاماً بالغة الأهمية حول الفوارق مابين الدول . ب?ولها ان العالم بحاجة الى نوع من التعاون وان هناك ثلاثة معوقات عالمية وهي:
1- التحولات الديموغرافية.
2- التدهور البيئي.
3- عدم المساواة في الدخل.
كما وأشارت ان أسلافنا تعودواعلى البعض منها وهو عدم المساواة والعدالة.. مشيرة الى إن العالم بحاجة الى الاهتمام بالبعد الأجتماعي وأدراجه ضمن السياسات الأقتصادية وإعطاء أهمية عالية بدلاً من جعله تابعاً للسياسة الأقتصادية وأكتفي بهذا القدر في المرحلة الانتقالية التي جرى الحديث عنها. كان يفترض ان يجري جملة من المسائل والتحديات الأساسية التي تواجه اصلاح الاقتصاد، وتطوير بنيته التحتية من طرق وجسور وابنية وغيرها وتوفير الأمن والاستقرار وإعادة الخدمات الاساسية، ولاسيما الكهرباء والماء الصالح للشرب والمواصلات المختلفة والهاتف الأرضي. وتبني إستراتيجية واضحة تنبثق منها مجموعة متكاملة من السياسات الأقتصادية والمالية والنقدية الكلية، وتنفيذ برنامج استثماري واسع لمعالجة الخلل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وزيادة النمو الاقتصادي والتشغيل وتشخيص الهياكل المتعثرة. وبخاصة في الصناعات التحويلية ومعرفة الاسباب الحقيقية بدقة لجوانب الضعف في هذا القطاع، ووضع ضوابط وقوانين تضمن حقوق العاملين وحرية التنظيم المهني والنقابي. في القطاعين العام والخاص وإلغاء القوانين السابقة، وحماية حقوق المستهلك والاستفادة من التجارب العالمية وبخاصة الدول النامية الشبيهة بظروف العراق. غير ان ما يلاحظ ان المشاكل السياسية وراء غياب التنمية الاقتصادية، بسبب تعدد الكتل والقوى السياسية وبخاصة الكتل من اصحاب القرار، وعدم الاتفاق على برنامج موحد بالاضافة الى عدم توفر الاستقرار والتقاطع والتضاد في احيان كثيرة. ويزداد التعقيد في عملية المحاصصة والتوافقات الوزارية، بحيث جرت الادارة للوزارات حسب الولاءات السياسية والحزبية لاكبر الكتل البرلمانية. بحيث جرى تنمية التكتلات الطائفية، وامتدت هذه الافكارالى تغذية وتمجيد الجزئيات على حساب المواطنة. وأدى ذلك الى تنمية العملية الاستهلاكية للمجتمع، وبالتالي حصل ما يسميه البعض من الاقتصاديين «التنمية السياسية» رغم غموض المفهوم ! بدلاً من»التنمية الأقتصادية» على مستوى الوزارات والمحافظات والاقضية والنواحي، من خلال التخصيصات التي تكفلها الميزانية الحكومية او في تنفيذ المشاريع والخدمات بدلاً من ان تكون تنمية اقتصادية حقيقية، و تبين ان البلاد مع مرور الزمن خرجت بأزمات متعددة يمكن وصفها بـ:
اقتصاد ريعي ضعيف.
سياسة اجتماعية متخلفة.
مؤشرات علامات الفقر شديدة.
سوء توزيع الدخل (نرجو ان لانضطر ان نعلن دخل المسؤولين في الدولة والبرلمان ودخل المواطن البسيط التي فاقت كل المداخيل في العالم وبزمن قياسي لامثيل له).
أن مواضيع الخصخصة تعالج بدوافع شعارات إقتصاد السوق ولا يعالج في أطار حاجة الاقتصاد العراقي، وأنما وفق منهجية مشروطة لدوائر معينة ويتناغم معها من اصحاب القرار دون مراعاة ما يتمخض منها من حالات إجتماعية وعواقب تنشأ منها مثل البطالة والفقر والتفاوت الأجتماعي وما يلحق بالبلاد من كوارث إقتصادية كبيرة.
الخلاصة:
يحتاج العراق الى مقاربة عقلانية واقعية تنطلق من المعالجات الأساسية للاقتصاد ومشاكله الفعلية والجمع بين دور السوق ودور الدولة في مواجهة المقاربات التي تقدس الدولة بالمطلق أو السوق بالمطلق، يتطلب الامر انتهاج سياسة تسعى بإتجاه تضافر الجهود بين القطاعين الدولة والخاص والمختلط بما يؤدي الى تعظيم العائد الاقتصادي ودفع عجلة التنمية آخذين في الاعتبار الأولويات الاجتماعية وبحاجة الى استراتيجية تدفع بأتجاه الانتقال من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد انتاجي ووضع الريع في صلب سياسة التنمية المستدامة وأستخدامه لتعظيم الثروة الوطنية وهذا يتطلب اخراج الريع من التداول الاستهلاكي وتوجيهه نحو الأستثمار في البنية التحتية والتركيز على تعظيم فرص التشغيل وزيادة الانتاجية وغير ذلك نرى صعوبة أطلاق تنمية مستدامة أو بناء ديقراطية أو تنفيذ برنامج دون ان يكون للدولة دور نشيط بالاضافة الى تنشيط وتحفيز القطاعات الاخرى الخاص والمختلط والتعاوني..الخ فليس المطلوب واقعية او عدم واقعية الخصخصة واقتصاد السوق بقدر ما مطلوب فشلها، بعد ان تضاءل بريقها ولا يتعدى الامر كونه «موضة» لم تزكها التجارب والعمل بأتجاه الدولة التنموية. التي تشكل تجربة النمورا آسيوية نموذجاً لها والدول الناشئة دليل منطقي مكمل لها. وأن تتضافر جهود عقول العراقيين من اقتصاديين بمختلف الاختصاصات وغيرهم من الاختصاصات الاخرى في القانون والسياسة، للخروج بمعالجات تضع الاقتصاد في الاتجاه الصحيح وبالاستفاده من التجارب والخبرات الدولية والاقليمية في هذا المجال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- إقتصاد السوق: يسمى كذلك بالإقتصاد الرأسمالي ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والمبادرة الفردية ويخضع للعرض والطلب داخل السوق .إقتصاد السوق هو اقتصاد العرض والطلب والمنافسة الحرة وتحرير الاسعارمن اي قيد عدا ما تفرضه المنافسة الحرة غير الاحتكارية.. ومع ذلك فأن اقتصاد السوق لايعني بأي شكل من الأشكال غياب القطاع العام ودور الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية- مقتبس من ويكبييديا- الموسوعة الحرة.
2-الكاتب كان قد حدد فصلاً كاملاً بعنوان- إقتصاد السوق وأشكالياته النظرية وفرضياته وتجلياته – في مؤلفه الموسوم الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي من ص111- ص144 المشار اليه.
3– د. عباس الفياض: بحث موسع حول الازمة المالية والاقتصادية لعام 2008-2009، منشور في عدة مواقع على الانترنيت.
4- مقالة بالانكليزية على الأنترنيت للبرفسور نعوم جومسكي على الرابط
http:www.menitor.net/rach/r546.html
5- انظر مؤلف كارل ماركس –رأس المال نقد الافتصاد السياسي – ترجمة محمد عيتاني – مكتبة دار المعارف- بيروت 1950 ص111،112
6- للتفاصيل أكثر راجع مؤلف - جوزيف ستكلتز- العولمة ومساوئها – ص 245-246.
7- د.أسامة بشير الدباغ و أثيل عبد الجبار الجومرد- المقدمة في الأقتصاد الكلي- دار المناهج للنشر والتوزيع – عمان- الاردن – الطبعة الاولى، 2002 ص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث في العلوم الاقتصادية يقيم في المملكة المتحدة.