المنبرالحر

الفساد الثقافي .. أبشع أنواع الفساد! / طه رشيد

العراق واحد من البلدان التي عرفت، على مستوى العالم وما زالت، بالفساد الإداري والمالي وهو يحتل المراتب الاولى، وبجدارة، في هذا المضمار.
روى لي صديق نكتة سوداء عن لقاء مقاولين احدهما أمريكي والآخر عراقي. وقد سأل هذا زميله الأمريكي عن كيفية التلاعب بالأموال العامة او الخاصة في أمريكا في ظل تعاملات مصرفية والكترونيات غاية في الدقة . شرح الأمريكي طريقة التلاعب قائلاً انهم يضيفون زيادة طفيفة على المبلغ المقرر، ويمكن أن تدخل هذه الزيادة ضمن ما يسمى ( الكومشن) المسموح به. العراقي كان ينصت للامريكي رد السؤال على ضيفه العراقي: وانتم في العراق كيف تتم السرقات عادة؟ فتح العراقي حقيبته الدبلوماسية وأخرج منها ورقة كبيرة بيضاء فرشها على الطاولة قائلا ل?أمريكي : انظر الى هذا المشروع مثلا . أجاب الأمريكي : لكنني لا أرى شيئا. فقال العراقي : هذا قيمته 5 مليارات!
عاجلا أم آجلا سيتم القبض على الفاسدين إداريا أو ماليا ويحالون إلى المحاكم وستبقى سرقاتهم وصمة عار تاريخية تلاحق أبناءهم واحزابهم! ولكن المشكلة الكبرى تبرز حين يتسرب الفساد إلى الوسط الثقافي ( الفنانون جزء من هذا الوسط)، الذي هو المسؤول عن إعادة إنتاج الوعي للمتلقي وللمواطنين بشكل عام. وخير مثال على ذلك مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 الذي خصصت له مبالغ ضخمة (500 مليون دولار والعهدة على الراوي) حيث صرح أحد المسؤولين في وزارة الثقافة آنذاك بأنه ستتم اعادة البنى التحتية لأكثر معالم بغداد ابتداء من ساحة?الميدان مرورا بشارع الرشيد وانتهاء بإعادة تعمير مسرح بغداد وصالات دور السينما المعطلة!
انتهى المشروع ومرت الايام والاشهر وعاد مسرح بغداد ليتحول إلى مخزن مثل بقية صالات السينما! وتسرب الفساد للاسف من المؤسسة إلى المثقف - الفنان (البعض منهم) وصار التفكير بالربح والخسارة ذا اولوية أكثر من التفكير في تقديم منجز إبداعي. ونظرة سريعة على الافلام الروائية والوثائقية التي أنجزت لمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية خير دليل على ما نقول.. وكلامنا لا ينطبق على الجميع لان بعض المخرجين حققوا افلاما روائية جيدة ويستحقون عليها كل ثناء ولكنها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
ويجب عدم التفريط بهذه القدرات الإبداعية التي ممكن أن تشكل غدا مع مجموعة الشباب السينمائية ملامح سينما عراقية يشار لها بالبنان اذا ما تم التلاقح بين خبرة الرواد وكفاءة الشباب. ويمكن أن نتحدث بنفس الطريقة عن بعض مخرجي المسرح الذين ينظرون الى المشروع من وجهة نظر إبداعية سواء من الأجيال السابقة أو من الأجيال الشابة الجديدة.. بحيث نستطيع أن نفرق الغث من السمين وان نمتلك الجرأة لنقول للمسيء اسأت..
ولا أريد أن افتح جرح دار الأوبرا التي لا نعرف لماذا لم ينجز البناء فيها ومن المسؤول عن التأخير ولماذا ما زال المشروع أرضا جرداء؟ ونفس الشيء يقال عن بنايات (الشيلمان الأحمر) هياكل المدارس التي لا نعرف متى ستنجز كي يدخلها الطلبة الجدد! وسواء أنجزت هذه المشاريع أم لم تنجز نقول بان المدينة بناسها وليس بعمارتها ! فقطع الحجر والطابوق نستطيع أن نهدمها ونعيد بناءها بيسر وسهولة، لكن المعضلة الكبرى تكمن في بناء الإنسان، البناء الذي تقع مسؤوليته أولا وخصوصاً على المثقف والفنان بالاضافة الىالعائلة والدولة!