المنبرالحر

المعلم والطالب .. والموسوعة / عبد الكريم جعفر الكشفي *

كلنا يعلم مقدار الأهمية التي يضطلع بها المعلم والطالب في المجتمع لما لهما من دور كبير في توجيه العقول وتطوير المجتمع وبنائه.. وتسعى الدول المتقدمة للاهتمام بهاتين الشريحتين المهمتين وتطوير قابليتهما بما يصنع منهما بناة المستقبل وحيث تنعقد عليهما طموحات المجتمعات والشعوب .
إن مجتمعنا العراقي واحد من أرسخ المجتمعات البشرية في التأريخ وله حضوره المتميز ففي بلدنا العزيز سنت القوانين واخترعت الكتابة والمعارف الأخرى ... وفي هذا السياق شاهدت قبل فترة مقابلة متلفزة مع الراحل المؤرخ الكبير (حسين أمين ) قال فيها تتلمذت في الثلاثينيات على يد معلمين مستواهم أعلى من مستوى أساتذة الجامعات الآن! في ثمانينيات القرن الماضي كنت معاوناً في متوسطة الانتصار في بداية العام وزعنا جدول الحصص، أعطينا الصف الثالث في مادة اللغة الانكليزية لمعلم محاضر أما الصف الأول والثاني فيدرسه مدرس ولما جاءنا المشرف أعترض على التوزيع وقال كيف يكون الصف الثالث لمعلم والأول والثاني لمدرس فقال له مدير المدرسة لا أجاوبك إلا بعد المشاهدة وبعد المشاهدة أنبهر المشرف لمستوى هذا المعلم علماً إن حي يرزق ويدرس الصف السادس لغة انكليزية لا غرابة في ذلك فعلم الأمس كان موسوعياً بدرس الانكليزية والرياضيات والتأريخ والجغرافية وكل المعارف وكم من المعلمين درسونا في المتوسطة وحتى في الإعدادية في حين يعجز كثير من المدرسين الآن عن تدريس صفوف السادس الإعدادي .
إن ما نشاهده الآن في تدني المستوى الموسوعي للمعلم والطالب يشيب له الرضيع وهذا ناتج من تدني المستوى الدراسي في الجامعات فكثير من الأساتذة في الجامعات لا يصلحون للتدريس وأنهم حصلوا على الشهادة في غفلة من الزمن كما إن الكم الهائل من الخريجين وخاصة من الكليات الأهلية أثر سلباً على العملية التربوية وإن الطالب في الجامعة مجرد يحسب أربع سنين للحصول على الشهادة علماً إن أكثر خريجي الجامعات هم من الأميين المقنعين وإن هذا التدني يبدأ من الصفوف الأولى وينتهي بطلبة الدراسات العليا مع الآسف كما إن الانتقائية في منح الشهادات العليا وحصول الكثير من أصحاب الشهادات على شهاداتهم بطرق ملتوية أو لأسباب سياسية أو طائفية أو مادية والآمر أمر عندما تكون جهة سياسية على رأس هرم السلطة التعليمية فيكون أتباعها هم الأكثرية في الحصول على الشهادات حتى وإن كانوا دون المستوى العلمي والثقافي والمهني لذا فلا عجب إن نشاهد أكاديميين بغير مؤهلات علمية ومهنية ومن أنصاف المتعلمين.. هناك علل وأسباب أدت إلى تدني المستوى العلمي والموسوعي للمعلم والطالب نوجز بعضاً منها :-
1. عسكرة المجتمع وخاصة قطاع التربية والشباب في ظل النظام السابق إضافة إلى تسطيح الوعي .
2. عدم وجود شعور متنامي لدى قطاعات واسعة من المعلمين والطلبة من جدوى طلب العلم والمعرفة وتفضيل الجانب المادي على العلم والمعرفة .
3. لقد أصبح الخريجون والشباب أمام مفترق طرق وخاصة بعد سقوط الصنم حيث أفرزت ظواهر سلبية كثيرة منها البطالة وانتماء كثير من الطلاب والشباب إلى تيارات دينية أصولية لغرض زج الطلاب والشباب في عمليات إرهابية أو ميليشيات منظمة من أجل حفنة دراهم .
4. عدم التوازن الذي أفرزته مرحلة بعد التغيير 2003 من حالات نفسية وانفصام في الشخصية والضغوطات والمعتقدات الدينية التي جاءت بها التيارات والأحزاب الدينية وكذلك الأحداث الدامية في الشارع العراقي وانعدام الامن مما أثر سلباً على تدني المستوى الموسوعي وأدى إلى ضياع قطاع واسع من الخريجين والشباب والتفكير بطلب الهجرة واللجوء خارج الوطن .
5. الديمقراطية المنفلتة التي أدت إلى الانفتاح غير المدروس على العالم من خلال النت والفضائيات متجاهلين المضامين الفكرية والاجتماعية والثقافية التي تقدمها هذه الوسائل .
6. عزوف عدد كبير من المعلمين والطلاب عن الندوات الأدبية والفكرية وعن القراءة والمطالعة وعدم أيلاء الصحافة أي اهتمام وعدم الاكتراث بالنشاطات الثقافية والموسوعية محلياُ وعربياً وعالمياً .
7. عدم استثمار الوقت والزمن من قبل المعلم والطالب وابتعادهم عن ارتياد المكتبات العامة وعدم الرغبة في قراءة وتصفح أي كتاب أو مجلة أو جريدة .
8. النضوب الكبير في المواهب الطلابية في حقول الأدب والثقافة والرسم والمسرح وغيرها والاهتمام بالمواقع الهابطة للنت وكذلك الرياضة غير السليمة وتشجيع الأندية غير العراقية والاحتفالات غير المبررة بفوزها.
وفي الختام إن تطوير الوعي الموسوعي لدى المعلم والطالب هي مسؤولية الجامعات بالدرجة الأولى ووزارة التربية والتعليم العالي ومنظمات المجتمع المدني وإن هذا الآمر يتطلب فتح دورات غير تقليدية الغرض منها قضاء الوقت كما يتطلب الآمر زج المعلمين والطلاب في النشاطات الثقافية والأدبية والتأكيد على الدوائر ذات العلاقة والمؤسسات المختصة للاستفادة من تجربتها في نشر الوعي الموسوعي ... ولا يخفى دور الجامعات في هذا المجال وكذلك يجب التأكيد على تطوير المؤسسات الثقافية والأدبية والمنتديات الاجتماعية بغية أشراك أكبر عدد من المعلمين والطلاب في نشاطاتها كما ان للبيئة والأسرة دوراً لا يمكن إنكاره في هذا المجال إضافة إلى أهمية المسابقات الجادة والحوارات الكلامية التي لها أثر في صنع المواهب كما إن المرحلة تتطلب إعادة النظر في المناهج الثانوية والجامعية وإعادة النظر في القبول في الدراسات العليا والجامعات ويجب إن يكون وفق مؤهلات مهنية صرفة وكذلك اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص في القبول وفي إيفاد الطلاب للخارج للحصول على الشهادات وإبعاد الجامعات والمدارس عن الاسلمة والسياسة والعسكرة..الخ.
إننا نتوسم في معلمينا وطلابنا إضاءة أكبر مساحة في نفوس مجتمعنا وصولاً إلى بناء مستقبل واعد .
ـــــــــــــــــــــــــــ
*مدير تربية ديالى السابق