المنبرالحر

ما أشبه دواعش اليوم بدواعش 8 شباط الأسود / فاضل عباس البدراوي

شاءت الاقدار ان نعيش، نحن جمهرة من الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين، حقبتين من الزمن، لنكون شهودا على الفواجع والمآسي التي حلت بالعراقيين خلال الحقبتين، على أيدي اوباش ولدوا خارج المنظومة البشرية. الأولى، هي حقبة دواعش انقلابيي 8 شباط 1963 الأسود، والثانية حقبة دواعش اليوم، لندون ما ارتكبت من جرائم ضد الانسانية في الحقبة الداعشية الاولى، تلك الجرائم التي يصعب وصفها ببضعة سطور، وما يحدث اليوم من انتهاكات لحياة الأنسان وحرياته ومعتقداته، بأبشع الصور، على يد عصابات تعيش خارج العصر، وهي من مخلفات العصور الهمجية المتخلفة، التي تستهين بكرامة الانسان وحياته.
ان ما يحدث اليوم للعراقيين الذين عاشوا وما زالت تعيش نسبة غير قليلة منهم تحت سطوة (دولة داعش الإسلامية المزعومة) من قتل بأبشع الطرق كذلك (جهادهم) المزعوم عن طريق تنفيذ تفجيرات في الاسواق والشوارع دون تمييز بين مواطن وآخر، ومن تدمير للصروح الحضارية والثقافية وتشويه للقيم الانسانية. يجد المرء من الصعوبة تعداد هذه الجرائم، فهي باتت معلومة، ليس للعراقيين فحسب بل للإنسانية جمعاء. لكنني أبغي تذكير الأجيال التي لم تعش فترة انقلاب 8 شباط 1963 الاسود، بالجرائم التي ارتكبت بحق خيرة ابناء الشعب العراقي، بمختلف اطيافهم، مدنيين وعسكريين، رجال ونساء، اترك لهم المقارنة بما يحدث اليوم، وما حدثت في تلك الحقبة السوداء، من تاريخ العراق.
بعد نجاح عصابة البعث الفاشية، في الاستيلاء على السلطة، صبيحة يوم 8 شباط 1963 المشؤوم، بدعم من الامبريالية العالمية والرجعية العربية والمحلية، وكل الحاقدين على ثورة 14 تموز الوطنية، شنت عصابات الحرس القومي التي تم تشكيلها من قبل الانقلابيين، وهم زمرة من شذاذ الآفاق وسقط المتاع. حملة اعتقالات واسعة شملت مختلف شرائح المجتمع العراقي، من سياسيين وعسكريين وطنيين وقادة نقابات عمالية ومهنية ومثقفين واكاديميين وعمال وطلبة، نساء ورجال. لقد تركزت الحملة على الشيوعيين بصورة خاصة. فتحت السجون والمعتقلات ابوابها لتستقبل هؤلاء المعتقلين، ولما امتلأت تلك المعتقلات، اتخذ الاوباش من النوادي والمدارس والنقابات والجمعيات وحتى البيوت مراكز للاعتقال، ثم بدأت حفلات التعذيب، في قصر النهاية ومحكمة الشعب والنادي الاولمبي وملعب الادارة المحلية في المنصور، وغيرها، بأبشع صورها من قلع الاظافر وسمل العيون وحرق شعر النسوة وقطع اجزاء من اجسام الضحايا بالكتر الحاد، والتعليق بالمقلوب على المراوح والصعق بالكهرباء، كما تم فتح مواسير المياه على سرداب قصر النهاية لتصل المياه الى صدور المعتقلين، في ذلك البرد القارس، كانوا جلهم من قادة الحزب الشيوعي العراقي، في مقدمتهم الشهيد الخالد سلام عادل. كما وصل الأمر بأدعياء العروبة والقومية إلى اغتصاب عشرات الفتيات. لم تتم تلك الممارسات الهمجية على يد افراد معينين من الحرس القومي بل أسهم فيها وأشرف عليها، قادة الحزب الفاشي ومسؤولون كبار في حكومتهم، وقد كان المجرمون، علي صالح السعدي وحازم جواد وطالب شبيب ومحسن الشيخ راضي وابو طالب الهاشمي وهاني الفكيكي وبهاء شبيب وهاشم قدوري وحازم سعيد ونجاد الصافي وعطا محيي الدين ومحمد مرهون وعازم ناجي وخالد طبرة وسعد طبرة، وجعفر قاسم حمودي وعمار علوش وعطا محيي الدين في بغداد، وفتحي حسين في كربلاء وفي الناصرية، عباس حمادي وسيف صلاح وعكاب سالم الطاهر وفهمي روفا (شقيق الطيار منير روفا الذي هرب بطائرة ميغ عراقية الى اسرائيل اواسط ستينيات القرن الماضي) وسالم حمدون ويعقوب كوشان وسالم الشكرة ورياض البنا وموفق عسكر وطه الجزراوي في الموصل. كما اقترفت نفس الجرائم في مدن عراقية اخرى. وقد اسهم في اقتراف تلك الجرائم مع الاسف الشديد عدد من الفلسطينيين المقيمين في العراق او الذين كانوا في ضيافة الشعب العراقي للدراسة الجامعية، اتذكر منهم فقط المدعو عيسى خضر طه الذي عين نائبا لرئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، حيث كان يمارس التعذيب ليلا بحق المناضلين العماليين في مقر الاتحاد الذي كنت معتقلا فيه مع عدد من القادة النقابيين.
ان الطريقة التي عذب بها القائد الشيوعي الباسل الشهيد الخالد سلام عادل، لمحاولة تسقيطه سياسيا، كانت طريقة سادية قل نظيرها في العصر الحديث، لكن حدث العكس حيث انه بصموده الاسطوري اسقط الجلادين ليس سياسيا فحسب بل حطم اعصابهم، وهذا ما جرى لبقية المناضلين الافذاذ من قادة وكوادر الحزب الشيوعي، جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي ومحمد حسين ابو العيس وجورج تلو ونافع يونس وحمزة سلمان وعبد الرحيم شريف ومحمد الجلبي وحسن عوينة والنقيب مهدي حميد والكاتب والصحفي الشهير عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) والرائد خزعل السعدي والقائد العمالي الياس حنا كوهاري والقائد النقابي طالب عبد الجبار وعبد الخالق البياتي وجمال ماربين ومهيب الحيدري والكوادر العمالية والنقابية عباس نعمة رئيس اتحاد نقابات العمال في العمارة وعلي الوتار وابراهيم محمد علي ومحمد موسى وسميع جاني وابراهيم اواديس، والصبي فاضل الصفار، والقياديين في نقابة المعلمين متي الشيخ وعبد الاحد المالح، وآخرين لا تحضرني اسماؤهم. ان تلك الجرائم، وبتلك الطرق الهمجية، تدل على مدى الخسة والدناءة والسقوط الاخلاقي والانساني لعصابة البعث الفاشية المجرمة.
لم تقتصر جرائم البعث في تعذيب الضحايا حتى الموت، بل تعدى ذلك الى دفن مجموعة من المناضلين وهم احياء في قبور جماعية، من هؤلاء، الشهداء الخالدين، ابراهيم الحكاك، صبيح سباهي وعدنان البراك وداخل حمود وعبدالستار مهدي الخوجة ولطيف الحاج وصاحب ميرزا وفيصل الحجاج وحسين الهورماني وابراهيم أدهم وادمون يعقوب ومحمد الوردي وآخرين لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم.
كما تم اعدام كوكبة من الضباط الذي شاركوا في ثورة تموز المجيدة، دونما اجراء اية محاكمة اصولية. وهؤلاء، هم العميد الركن داوود الجنابي والعميد عبد المجيد جليل والعقيد حسين الدوري والمقدم ابراهيم الموسوي والمقدم خليل العلي والرائدان فاضل البياتي وكاظم عبد الكريم والنقباء حسون الزهيري وعباس الدجيلي وهشام اسماعيل صفوت وعمر فاروق والملازم الاول الطيار منعم حسن شنون والملازم الطيار طارق محمد صالح (ابن شقيقة الزعيم عبد الكريم قاسم)، وتم ايضا اعدام العشرات من ابناء الموصل وكركوك والبصرة وبغداد داخل السجون، ولم تراع فيهم ابسط قواعد الشرائع السماوية والوضعية.
لا يفوتني ان اذكر الطريقة الهمجية التي أعدم فيها في دار الاذاعة بدون اية محاكمة اصولية وبعد دقائق من جلبهم، الشهداء، الزعيم عبد الكريم قاسم وفاضل المهداوي وطه الشيخ احمد وكنعان حداد، وقد تم اعدامهم بحضور عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وعبد الغني الراوي وقد نفذ بهم الحكم كل من المجرمين منعم حميد وسعد طبرة. وكان قد اغتيل قبلهم قائد القوة الجوية الشهيد جلال الأوقاتي امام داره في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم وكانت عملية اغتياله ايذانا بساعة صفر تنفيذ المؤامرة. كذلك اغتيل في صبيحة يوم الانقلاب الحقوقي الديمقراطي البارز نائب رئيس نقابة المحامين الشهيد توفيق منير.
ليس باستطاعتي ذكر اسماء مئات بل الاف المعتقلين والمعتقلات من الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين وحتى بعض المستقلين الذين غصت بهم السجون واماكن الاعتقال.
اترك للقراء الكرام اجراء مقارنة بين ما جرى في تلك الحقبة السوداء من جرائم وبين ما تقترف من جرائم على يد عصابات داعش بحق شعبنا اليوم، اليس دواعش اليوم هم امتداد وتلامذة لبعث 8 شباط الاسود وبعث صدام وما الفرق بين ما جرى في تلك الايام السود وما يجري اليوم على أيدي الدواعش الجدد؟