مجتمع مدني

رعاية الاحداث في القانون العراقي / زهير كاظم عبود

جاء في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول 1948، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة أن للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أو بطريقة غير شرعية.
كما أن لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
ويجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
على وفق هذه المبادئ العامة تستند السياسات الجنائية الخاصة بالاحداث ورعايتهم والالتزام بتنفيذ حقوقهم وتمنع أي شكل من أشكال العنف والاستغلال بحقهم .
وجاء الدستور العراقي ليؤكد على الالتزام بالمبادئ الإنسانية العامة في حماية الأسرة ورعاية الطفولة والشباب وتوفير الظروف المناسبة لهم لحمايتهم ومعاونتهم على تنمية القدرات ، ولهذا نص الدستور العراقي لسنة 2005 في الفقرة أولا من المادة ( 29 ) على ما يلي :
أ-الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.
ب ـ تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ثانياً :ـ للأولاد حقٌ على والديهم في التربية والرعاية والتعليم، وللوالدين حقٌ على أولادهم في الاحترام والرعاية، ولاسيما في حالات العوز والعجز والشيخوخة.
ثالثاً :ـ يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورهِ كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم.
رابعاً :ـ تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
ومن خلال هذه الثوابت شكلت قضية رعاية الأحداث اهتماما من الدولة العراقية بشكل عام ومن مجلس القضاء الأعلى في العراق بشكل خاص ، ولايمكن أن يتم تحقيق هذه الرعاية والاهتمام دون ضمانات وضوابط وخطط مستقبلية ودراسات عملية تبين مكامن الخلل في الأداء والسلبيات وتشخص الايجابيات لغرض تبنيها وتنميتها والتي ترافق عملية الرعاية التي ترافق وتتزامن مع عمر الحدث أو اللاحقة بعد جنوحه في سبيل إعادته وتأهيله ضمن المجتمع ، مع تطبيق للمبادئ العامة لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات التي تحكم قضايا الطفل والأحداث وبالتالي الالتزام بالمبادئ الأساسية التي بنت عليها الدولة العراقية السبل الكفيلة لتجسيد تلك الرعاية .
ولعل قانون رعاية الأحداث رقم ( 76 ) لسنة 1983 المعدل من بين أهم القوانين التي تهتم بمعالجة ظاهرة جنوح الأحداث ويفترض ان المعالجة عن طريق إيجاد نظام يستند على أسس علمية مدروسة وملموسة ، الا انها لم تواكب التطور الحاصل في المجتمع العراقي ، ولم تراجع النتائج السلبية والايجابية التي تسعى الى وقاية الحدث الجانح من الجنوح وشموله بالرعاية اللاحقة بعد انتهاء التدبير المفروض عليه ، ولم يتم تقييم النتائج منذ صدور القانون في العام 1983 وحتى اليوم .
ومن المتفق عليه الخصوصية التي ينفرد بها الحدث وما تشكله مرحلة الوقاية والاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجنوح ، وما يحتاجه من معالجات نفسية واجتماعية بالإضافة الى تحديد سن المسؤولية ضمن اعتبارات ادراك الحدث بالفعل المخالف للقانون ، ليصار الى التماشي مع الاتجاهات الحديثة في هذا المجال .
ولايخفى ما لفترة الحصار الدولي المفروض على العراق ، والأساليب الخاطئة التي اتبعتها السلطة البائدة في حينها لمواجهة تلك القرارات ، مما انعكس سلبيا على حياة الشباب والمراهقين والتي لم تتمكن السياسة الجنائية في حينها من معالجتها واحتوائها وفق أسس مقبولة او معقولة او مدروسة ، بالإضافة الى انعكاس الفترة مابعد سقوط النظام الدكتاتوري وما عكست تلك الفترة الحرجة التي شاعت فيها الجريمة المنظمة وتنظيمات الارهاب من ظروف في الساحة واستغلال نماذج من الشباب والمراهقين من الاحداث والفتيان في ارتكاب الجرائم وتشكيل العصابات والعمل ضمن مجموعات الاعمال الأرهابية وعمليات الأغتيالات المنظمة لقاء اجور وتعاطي المخدرات واستمراء ارتكاب الافعال المخالفة للقانون كالسلب والسرقات وتجارة المخدرات والجنس والانحراف بشكل عام .
من أهداف قانون رعاية الأحداث الحد من ظاهرة جنوح الأحداث من خلال وقاية الأحداث من الجنوح ومعالجة الجانح وتكييفه اجتماعيا على وفق القيم والقواعد الأخلاقية لدولة يسودها القانون ويحكمها الدستور ، وهو ما لم يتحقق بالنظر لتشتت الجهات المسؤولة عن التطبيق ، بالأضافة الى عدم وجود تعاون وانسجام بين هذه الجهات المسؤولة ، وعدم توفير الضمانات الكافية في مجال التحقيق والمحاكمة .
لا شك أن ظاهرة جنوح الأحداث تعد من بين أخطر الظواهر الاجتماعية بالنظر لما لها من أثر على مستقبل الشباب خصوصاً ومستقبل بنية الدولة عموماً، وتعد المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والسياسية في العالم ذات تأثير فعال ومؤثر على مستقبل الأحداث . وحمايتهم من الانحراف ومن ثم ارتكاب الجريمة .
فالسياسة الجنائية تشكل الخطوط الأساسية التي تضعها الدولة لمواجهة الجريمة والعمل على منعها ، وضمنها يكون هدف العقوبة بالنسبة للأحداث تربويا وعلاجيا من خلال تشخيص الحالة الاجتماعية والنفسية والعقلية والنضج الخلقي للحدث وبيان التدبير المفروض بحقه ، والتوسع في حالات وضع الحدث تحت مراقبة .
والسياسة الجنائية تعني تلك الأفكار والمبادئ التي تحددها الدولة بهدف توجيه القانون سواء في مرحلة بدء إنشائه أو في مرحلة تطبيقه في إطار تطبيق التوجه السياسي العام للدولة، لذلك فإن السياسة توجه المشرع كما توجه المؤسسة القضائية بهدف تنظيم العلاقات داخل المجتمع بشكل يضمن التعايش والانسجام بين أفراده.
ولهذا فقد ركزت السياسة الجنائية المعاصرة في معالجة جنوح الأحداث أن تكون مصلحة الحدث في الأولوية ، وان يتم التركيز على مرحلة التحقيق ودراسة الحالة الشخصية للحدث الجانح ، وركزت السياسة الجنائية التي أكد عليها قانون رعاية الأحداث على دور مؤسسات المجتمع المدني في اتقاء الجريمة ومعالجتها والتي لم يكن لها دور فاعل وموجود سابقا ، ومن المؤكد ان يكون لها الدور الفاعل والمؤثر في المرحلة الحالية واللاحقة بالنظر لدور منظمات المجتمع المدني التي تحرص الدولة اليوم في ظل الدستور على تعزيز دورها ودعمها وتطويرها واستقلاليتها بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها ، ومن المؤكد ان تهتم بشريحة الشباب والمراهقين وتعمل على تحصينهم ومنع جنوحهم ، مع التأكيد على الدور الإنساني والاجتماعي لأجهزة العدالة الجنائية الخاصة بالأحداث سواء منها في مرحلة التحقيق او المحاكمة او المرحلة التي تلي الجانب العلاجي والرعاية اللاحقة للحدث .
ولعل سعي الدولة من خلال التخطيط وبمساهمة ودور فاعل لمنظمات المجتمع المدني ان تتولى مرحلة الوقاية من الجريمة بالنسبة للأحداث وبما ينسجم مع التوجهات الدولية الخاصة بتحقيق العدالة مع الأحداث ضمن الاتفاقيات الدولية المنعقدة .
وكانت الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بحماية الأحداث قد أوضحت بأن الخطوط الأساسية العريضة للسياسة الجنائية المعاصرة لعدالة الأحداث تمت الإشارة إليها في الاتفاقيات الدولية باعتبار الطفولة المخزون الاستراتيجي للتطور الاجتماعي وذلك لحماية الارتقاء بالطفولة ورعايتها والاهتمام بشؤون الشباب ومن أبرز تلك الاتفاقيات قواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث والمعروفة باسم (( قواعد بكين )) ، والتي اعتمدتها الجمعية العمومية في العام 1985 ، بالإضافة إلى قرارات المؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في العاصمة الكوبية هافانا في العام 1990 ، وقواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث التي صدرت في العام 1999، ومبادئ الأمم المتحدة لمنع جنوح الأحداث (مبادئ الرياض التوجيهية) لعام 1990 ، ولعل المؤتمر الخامس للقانون الجنائي الذي انعقد في القاهرة للفترة من 18-20 نيسان 1992 من بين أهم المؤتمرات في مجال قضايا الأحداث والتي انعقدت تحت عنوان الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية في مجال الأحداث وغيرها من المؤتمرات التي عالجت قضاياهم .
ويعد فصل الصغار عن الكبار أحد المتطلبات الأساسية في القانون الدولي وهو من أقدم وأكثر معايير الأمم المتحدة أساسية. فقد وضع لأول مرة من قبل الأمم المتحدة في عام 1957 ثم أصبح جزءا من معاهدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرة في العام 1966 ثم تكرر في قواعد بكين 1983 ثم في القواعد الدنيا لحماية الأحداث المجردين من حريتهم في 1990، وأدرج في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 1989، حيث تلزم المادة 37 (c) من الاتفاقية الدولية، الدول الأعضاء بفصل الأطفال عن الكبار في أماكن الحجز.
وبالرغم من أن قانون رعاية الأحداث عالج قضايا التحقيق والمحاكمة ، فانه لم يعالج قضية تشكيل شرطة متخصصة في قضايا الأحداث ، ولا سيما وأن التعامل الخاص مع الفتيان والأحداث يتطلب نوعا من التخصص في عمل الشرطة ، كما انه شكل المحكمة التي تقوم بمحاكمة الأحداث ضمن المادة (54)من القانون برئاسة قاض لايقل عن الصنف الثالث وعضوين احدهما من القانونيين والاخر من المختصين بالعلوم ذات الصلة بشؤون الاحداث ولهما خبرة لاتقل عن خمس سنوات ، وفي الواقع العملي تفتقر المحاكم الخاصة بالأحداث لمثل هذه التشكيلات ، خصوصا افتقار العضوين للخبرة والتجربة الخاصة في تدقيق القضايا التحقيقية والاحكام الصادرة من خلال وجود الادلة والقرائن من عدمها ، حيث ان القانون لم يتطرق الى كيفية اصدار القرار ومعالجة الاختلاف في الراي ، ويصار الامر بالاستناد الى قانون اصول المحاكمات الجزائية في هذا الجانب .
أن فاعلية العضوين لاتكمن في حضورهما المحاكمة شكليا ، انما يتطلب الأمر مساهمتهما الفاعلة في دراسة القضية التحقيقية وتدقيق الأدلة المتوفرة فيها ، ومن ثم إصدار العقوبة والتدبير المقترح ، بعد دراسة شخصية الحدث .
وهذا الأمر لايمكن ان ينسجم مع الواقع ما لم يكن أعضاء المحكمة قد تلقوا دورات أو علوما تتعلق بالمعلومات الأولية للعمل القضائي ، وفن القضاء ، وأسس تطبيق النصوص على الفعل المخالف ، وحتى يمكن تأهيلهم ليكونوا أعضاء فعليين وحقيقيين في محكمة تصدر قرارتها بالأحكام على وفق القانون .
ولعل دراسة شخصية الحدث تمثل احد الضمانات التي يتميز بها الحدث عن البالغ ، فمحكمة الأحداث لايمكن ان تحسم القضية المعروضة دون ان يتم عرض الحدث الجانح على مكاتب دراسة الشخصية وتقديم التقرير التفصيلي بهذا الخصوص ، ويمكن ان يكون لتقرير مكتب البحث الاجتماعي أهمية وجزء من دفاع المتهم الحدث ومؤثر على حقوقه ، ومن بين الضمانات الأخرى التي أوجبها القانون للحدث أن تجري محاكمته في جلسة سرية ، من اجل ان لاتنعكس سلبيا على حالة وشخصية الحدث مع عدم السماح للجمهور بحضور المحاكمات العلنية . بالإضافة الى السماح بحضور ولي امر الحدث جلسات المحاكمة مما يبعث الطمأنينة والاستقرار في نفسه خلال جلسات المحاكمة .
كما شكل منع المحاكم من محاكمة الحدث غيابيا ضمانة اخرى للحدث في القانون العراقي ، واخذ قانون رعاية الاحداث المذكور بمبدا التقادم المسقط للدعوى بمرور عشر سنوات في جرائم الجنايات وخمس سنوات في جرائم الجنح ، وبسقوط التدبير اذا لم ينفذ بمضي خمس عشرة سنة في الجنايات وبمضي ثلاث سنوات على انتهاء مدة التدبير المحكوم به في الحالات الاخرى ( المادة 70 ) . وينطبق على المتهم الحدث ما ينطبق على المتهم البالغ من ضمانات ضمنها قانون أصول المحاكمات الجزائية من توفير محام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة ، وعند عدم وجود محام تنتدب المحكمة محاميا للدفاع عن الحدث على حساب الخزينة العامة ، ويحق للحدث التزام الصمت وان لايتم اعتبار الصمت دليلا ضده ، ولايتم تحليف المتهم الحدث اليمين القانونية .
كما ألزمت المادة (71) من القانون المحكمة التي أصدرت الحكم في جناية ان ترسل القضية والحكم الى محكمة التمييز الاتحادية خلال مدة خمسة عشر يوما من تاريخ صدور القرار للنظر فيه تمييزا وفقا للقانون ، مع إمكانية الطعن في القرارات والأحكام الصادرة من محكمة الأحداث امام محكمة التمييز الاتحادية خلال ثلاثين يوما تبدأ من اليوم التالي لتاريخ صدور قرار الحكم .
وتدرجت العقوبات التي فرضها القانون على المتهم الحدث بإنذاره في الجلسة في حال المخالفة ، أو بتسليمه إلى وليه ليقوم بتنفيذ ما تقرره المحكمة ، وكذلك في الجنح بتسليمه لوليه ليقوم بتنفيذ ما تقرره المحكمة من توصيات لضمان حسن تربيته وسلوكه ويربط بتعهد مالي ، او بوضعه تحت مراقبة السلوك ، او إيداعه في مدرسة تأهيل الصبيان ان كان صبيا او إيداعه مدرسة تأهيل الفتيان ان كان فتى مدة لاتقل عن ستة أشهر ولاتزيد على ثلاث سنوات ، أو الحكم عليه بالغرامة المنصوص عليها في القانون ، وكذلك في قضايا الجنايات ، غير أن على المحكمة في حال ارتكاب الفتى جناية معاقب عليها بالإعدام أن تحكم عليه بدلا من عقوبة الإعدام المقررة قانونا بإيداعه مدرسة تأهيل الفتيان مدة لاتقل عن خمس سنوات ولاتزيد على خمس عشرة سنة ـ وإذا تعددت مدد الإيداع فلا يجوز أن يزيد مجموع ما ينفذ منها على خمس سنوات في مدرسة تأهيل الصبيان وعلى خمس عشرة سنة في مدرسة تأهيل الفتيان .
أن أماكن الإيداع وتأهيل الفتيان الجانحين ذات أهمية كبيرة وجزء مهم من عملية التأهيل التي تتولاها دوائر الإصلاح ، سواء منها دور الملاحظة وتأهيل الفتيان ومدرسة الشباب البالغين ما يوجب فرز أجنحة الفتيات عن الشباب ، وإلزام الملتحقين بإكمال الدراسات التعليمية أو إلزامهم بتأهيلهم بتعلم مهنة في سبيل إيجاد عمل يتناسب ومهارة الحدث عند خروجه من الدار .
واعتبر القانون الصغير من لم يتم التاسعة من عمره ، والحدث من اتم التاسعة ولم يتم الثامنة عشرة ، والصبي إذا اتم التاسعة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة ، والفتى إذا اتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة .
فقد نص قانون رعاية الاحداث العراقي رقم ( 76 ) لسنة 1983 المعدل في نص الفقرة اولا من المادة ( 47 ) على ان لاتقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد أتم التاسعة من عمره ، وكان القانون العراقي السابق قد حددها بتمام السابعة من العمر ، أما قانون الأحداث الأردني رقم 24 لسنة 1968 المعدل فقد حدد سن المسؤولية على من اتم السابعة من العمر ، وكذلك المصري رقم 126 لسنة 2008 والإماراتي رقم 9 لسنة 1976 واللبناني رقم 422 لسنة 2004 والكويتي رقم 3 لسنة 2004 ، في حين نص القانون اليمني على رفع سن المسؤولية إلى عشر سنوات ، ومثله القانون السوري رقم 18 لسنة 1974 المعدل ، في حين جاء القانون السعودي ليحدد سن المسؤولية باثني عشرة سنة ، وتفرد القانون البحريني لينص في قانون العقوبات على ان لامسؤولية على من لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره حين ارتكاب الفعل المكون للجريمة .
بينما تؤكد الفقرة الثالثة من المادة ( 40 ) من اتفاقية حقوق الطفل على أهمية مسألة تحديد السن الأدنى للمسؤولية الجنائية في قوانين الأحداث . ولهذا فانها شددت مرارا على ضرورة رفع سن المسؤولية الجنائية في القوانين الوطنية لثبوت ضعف قدرة الطفل على التمييز في سن مبكرة. وقد وضعت كثير من الدول العربية بما فيها العراق سناً منخفضاً جدا للمسؤولية الجنائية وهو ما اعتبرته اللجنة انتهاكا للمعاهدة الدولية الموقعة من هذه الدول ، وأكدت على قلقها خلال مناقشاتها تقارير الدول العربية المقدمة لها حول مدى تطبيق اتفاقية حقوق الطفل بشكل ينسجم مع الاتفاقية . حيث أن كثيرا من قوانين البلاد العربية تعرف الحدث بأنه كل طفل بلغ السابعة من عمره ولم يبلغ سن الرشد، مما يوجب إيجاد صيغة انسجام بين مقررات الأتفاقية والقوانين الوطنية بما يخدم قضية الأحداث .
ان تفعيل قانون رعاية الاحداث لايكمن في تعديل نصوصه ، مالم يقترن بتفعيل دور القضاة والهيئات المختصة بالتحقيق والمحاكمة ، وان يتم إنشاء جهاز قضائي مختص ليس فقط في قضايا التحقيق والمحاكمة في قضايا الأحداث ، إنما في الرعاية اللاحقة للحدث وفي مراقبة السلوك بشكل جدي ومتطور وفاعل بقصد الإصلاح ، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المتخصصة في أمور الرعاية والإشراف والإرشاد والتعليم والتدريب المهني ومعالجة حالات التشرد والتسول ومنع جميع أشكال العنف ضد الأحداث ، وان تتم معالجة حالات استغلال الأطفال في أعمال لاتتناسب مع أعمارهم ، وتركهم المدارس لشتى الأسباب التي يجب ان تتم دراستها ومعالجتها ، كذلك منع كل ما يمس شرف وكرامة الحدث ومنع اتخاذ أي اجراء تعسفي أو أي اجراء غير قانوني بحقه تحت طائلة المسؤولية .
ومع ان المنطق يقضي بعدم جواز توقيف الأحداث في السجون المخصصة للكبار، الا ان الواقع انه لاتوجد في العراق اليوم مواقف خاصة للاحداث في دوري التحقيق والمحاكمة ، فيتم زجهم في المواقف الخاصة بالكبار انتظارا لانتهاء وحسم قضاياهم التحقيقية .
بالإضافة إلى ضرورة تطوير الإجراءات وإنشاء بدائل خارج نطاق نظام القضاء الجنائي التقليدي للأحداث بقدر ما يمكن من اجل تجنب اللجوء إلى نظام القضاء الجنائي للأحداث المتهمين بارتكاب مخالفات قانونية. على أن تتخذ الخطوات المناسبة لجعل الحلول البديلة والإجراءات التربوية متاحة في كل محافظات العراق وعلى أوسع نطاق،وان تكون هذه الإجراءات في مرحلة ما قبل القبض على الطفل وقبل المحاكمة وأثناء المحاكمة وبعد المحاكمة، بما ينعكس على تجنيب ارتداد الأطفال إلى الجريمة مرة أخرى .
كما ان للرعاية اللاحقة أهمية كبيرة في رعاية الحدث بعد انتهاء مدة إيداعه في مدرسة التأهيل بما يضمن اندماجه في المجتمع وعدم عودته الى الجنوح . وان تجري دراسات ميدانية وعلمية متخصصة في مجال واقع حال قضايا الأحداث من خلال مؤتمرات تدعمها المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال ، وتحضرها شخصيات متخصصة في مجال قضايا الأحداث ، بالإضافة الى دراسة التجارب المتقاربة في سبيل استخلاص تلك النماذج بما ينسجم وينجح في العراق ، ملبيا طموح النصوص الدستورية التي أكدها الدستور ، والتي رسمت أساس السياسة الجنائية الخاصة بالأحداث ، والتي تتطابق مع الاتفاقيات الدولية التي وقعها العراق بهذا الخصوص ومع المبادئ العامة لحقوق الأنسان والتعامل مع الحدث الجانح باعتباره ضحية للظروف التي مر بها البلد والعائلة العراقية ، والأهتمام بتحقيق مبدا الاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجنوح لمعالجته وفق الأسس التي يفرضها العلم والمنطق ما يوجب تأهيله واعادة اندماجه عضوا نافعا في مجتمع يسعى لتحقيق المساواة وسيادة القانون .
وبهذا فأن تأهيل قضاة متخصصين في قضايا الأحداث ، وضمان سرعة حسم القضايا المعروضة امام القضاء في دوري التحقيق والمحاكمة ، وتفعيل دور عضوي المحكمة من غير القضاة ليكونوا بمستوى عضوية المحكمة القضائية ، والتأكيد على الضمانات التي وفرها الدستور والقوانين للحدث ، والمشاركة بمؤتمرات تخص معالجة قضايا الأحداث ومواكبة التطور الدولي والعلمي في قضايا الأحداث ، والأهتمام بالتقارير المرفوعة من مراقب السلوك ، وضرورة اشراك العنصر النسوي في المعالجات سواء منها في التحقيق او المحاكمة أو في مرحلة التأهيل ما بعد الحكم .
كل هذه الأمور وغيرها تساهم بشكل فاعل في تطوير عمل قضايا الأحداث ، ونجد في أهداف معهد التطوير القضائي انسجاما مع ما يتطلبه قانون الأحداث من تطوير وتفعيل ، بالإضافة الى إمكانية التواصل مع المنظمات الدولية ومساندتها في سبيل الوصول الى أسس علمية تسعى ضمن القانون وتطبيق ما قررته الاتفاقيات الدولية التي التزم بها العراق فيما يخص الأحداث ، وهي مهمة ليست بالسهلة الا انها من المؤكد ليست بالمستحيلة ، وتصب في ترصين مستقبل الدولة التي تسعى الى سيادة الدستور بما يمثله من مساواة في التطبيق والقانون وما يتضمنه فصل الحقوق والحريات .
ان المساهمة والمساندة لمشروع مجلس القضاء الأعلى في إدخال إصلاحات جدية ومنسجمة مع حقوق الإنسان في جميع مفاصل العمل القضائي ، وخصوصا قضايا الأحداث وماطرأ على مفاهيم رعاية الأحداث من تطور ، ومعالجة قانون رعاية الأحداث الذي صدر قبل ربع قرن وأصبح من الضروري مراجعته وإصلاحه ، وإيجاد قاعدة بيانات متكاملة فيما يتعلق بالأحداث ، بالإضافة الى قضية التخصص فيما يخص قضايا الأحداث وضرورة تطوير مستوى القضاة العاملين في مجال التحقيق والمحاكمة ، وتطوير مفهوم العقوبة بما ينسجم مع نصوص الدستور ومفهوم المعالجة والتأهيل.