مجتمع مدني

مشغولون بمنافع كتلهم / جاسم عاصي

لا شك في أن العلاقة بين العلة والمعلول في كل فعاليات الوجود. فالتظاهر رد فعل على خطأ معيّن. بمعنى ثمة خلل في مفاصل الحكومة، وليس الدولة. لأننا لم نؤسس دولة لحد الآن. هذه المفاصل اعتمدت على قاعدة مشوبة بالخطأ. فالعلة ضمن التركيبة السياسية، سواء كان ذلك متمثلاً في مجلس الوزراء أو البرلمان. ومعروفة الكيفية التي شُكّلت فيها هذه القيادات، وما هي عللها الدائمة. الأمر الذي يتطلب، ليس تبديل هذا بذاك، ودمج هذه الوزارة بتلك، بقدر ما يتوجب النظر إلى التركيبة البنيوية لتلك التشكيلات، ورفض مثل هذه الأسس "المحاصصة" التي طغت بأفعالها المنظمة من الكُتل والأحزاب الصورية على أسس بناء الدولة. أرى أنهم لا يفقهون ما هي الدولة؟ وما هي الحكومة؟ وكيف تكون تشكيلة مجلس الوزراء؟ إنهم مشغولون بمنافع وديمومة كتلهم وأحزابهم بعيداً عن مصلحة الشعب والوطن. معتمدين في تطوير فعل الوزارة مثلاً على الوزير الجديد، الذي يلغي كل ما أتى به الوزير السابق. وبهذا تكون هذه الوزارة تبدأ دائماً من الصفر. والعلة الأساس إن كل وزير يُنحّي من يُدير مفاصل الوزارة، ويأتي بمن يحمي منصبه. وهذا ما استشرى في وزارة الخارجية، التي لم تقدم للبلد طيلة هذه الفترة منذ 2003 أية قيمة اعلامية وسياسية، ولم تسترد هيبة الوطن. لذا فالترقيع نوع من تخدير المتظاهرين وتسويف مطالبهم.
نعم كل الخيّرين في البلد مع التظاهر السلمي والدائم، حتى لو وصل إلى مرحلة الاعتصام. أما الآلية، فأرى أن ما يشوب التظاهر نوع من "العشوائية المبدئية". فالمتظاهر لا بد أن يكون متسلحاً بأبسط المفاهيم التي تُنضّج أسس مطالبه ولا تتركها نهباً للانحراف. وهنا لا بد أن نذكر إن لهذا الفعل رد فعل. فالقوى المستهدفة بالإصلاح بدأت فعلاً بالدفاع عن نفسها من خلال الاشتراك في التظاهر، أو يلجؤون إلى أساليب تشويه الفعاليات. فبعض الأصوات بدأت تتعالى لدفع المتظاهرين إلى اقتحام المؤسسات كما جرى في عام 1991أي تخريب البنى التحتية.?وهذا هدف واضح اتبعه المحتل وسار عليه بريمر في سياسته، ووافق عليه عتاة المدّعين بحب الوطن. هنا تعمل منظمات المجتمع المدني والنقابات والشخصيات الوطنية، في أن تجمع نفسها في لقاء موّسع لتداول الكيفية التي تُدار من خلالها مسألة توّعية المتظاهرين، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وتنبيههم إلى ما سوف يحدث من مفارقات جرّاء إهمال أنفسهم.
وكما ذكرت بصدد اجتماع القوى، أرى أن يترتب انتخاب رموز لقيادة التظاهرات، وهذه الرموز يشهد لها تاريخها السياسي والفكري. تأخذ على عاتقها وضع برنامج خاص وعلى مراحل، وينظمون الكيفية التي تتم من خلالها اللقاءات برموز ساعية إلى التغيير والاصلاح في الحكومة. لا شك إن أية فعالية لا تقوم إلا بوجود قيادة مركزية، تُهيء وتقترح البدائل وتقدمها إلى رئيس الوزراء مثلاً، إضافة إلى جُهدها في تسيير التظاهرات بوضوح الأهداف وتركيزها، وضبط عدم تشتتها وتبعثرها بلا مركزية الأهداف، وتعمل على تنظيم العمل. ولنا في هذا تجارب ابتدأت من ثورة العشرين التي اعتمدت على بعض قيادات غير واضحة في انتمائها إلى الوطن، فقط تحكم فيها الانفعال، وحين عاد المزاج رائقاً اقتربت من عناصر المحتل، كذلك أحداث عام 1991.