مجتمع مدني

دفاعاً عن حقوق العمال ومصالحهم / عدنان الصفار

ان مهمات الحركة النقابية تنبعث من طبيعتها الطبقية، وطابعها الديمقراطي، وتتعدد بتعدد مظاهر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تربط الطبقة العاملة مع كل طبقة من طبقات المجتمع، فتعالج القضايا العامة، الاجتماعية والوطنية، التي تلقى اجماع جماهير العمال والطبقات التقدمية، وتجوس كل مخاضات النضال السياسي العام والاقتصادي، والاجتماعي، كما تعالج كل ما يتعلق بمصير العمال ومصالحهم الانية، في مجال العمل، والحياة الاجتماعية، وتعمد قبل كل شيء الى السعي لتمتين الوحدة الطبقية لجماهير العمال وتقوية مركزها الاجتماعي ورفع شأنها في تقرير الاحداث الخ.
وبعكس ذلك، فكل الاتجاهات الغريبة على الحركة النقابية، ومن كافة المنابع، ومهما يبرز اثرها في ظروف واسباب معينة، ما هي الا ظاهرات طارئة سرعان ما تزول، لان جذورها ومنابعها ليست في ارضية الطبقة.
وعلى النطاق الوطني تنشطر الحركة النقابية، الى ما يرتبط بالحركة الوطنية العامة وما له صلة بقضايا العمال الطبقية الخاصة. ففي مجرى النضال الوطني والديمقراطي تقف الحركة النقابية في عداد الفصائل النشطة، وبقدر ما يتوجب عليها في هذا الميدان، تتجنب الممارسات التي تضر بالوحدة الوطنية، والابتعاد عن الشعارات والنشاطات التي تسيء الى وحدة جماهير العمال او تفتح ثغرة في اجماعها.
ان المنظمة النقابية ليست حزبا، ولا جماعة فكرية، فلا يصح اخضاعها لاتجاه سياسي معين ولا الزامها بتنظيم غير تنظيمها. لان هذا الاسلوب من الممارسة النقابية يسحب الخلافات السياسية والفكرية من صعيد السياسة الى صعيد الحركة النقابية، فتتعرض وحدتها الى الوهن وتسبب الاضرار للطبقة العاملة والحركة الوطنية نفسها. وبديل هذا الاتجاه هو توحيد كل الاتجاهات في ساحة الحركة النقابية، ولكن دون ان تنقطع هذه الاتجاهات عن اصولها ومنابعها، والا فانها تقع في مستنقع النقابية الصرفة. فكل اتجاه سياسي ومركز فكري، يملك برامج ورؤيا خاصة عن الحركة النقابية، وتبقى عناصر التباين هي البارزة في التطبيق اليومي المتفرد. ولكن في الممارسة المشتركة، في ساحة الحركة النقابية، تقترب وجهات النظر من بعضها ويسود الجميع الشعور بالمسؤولية تجاه الطبقة العاملة، وتتوحد الرؤى فتتمخض عن برنامج موحد واسلوب عمل موحد تنعكس فيه ارادة كل الاطراف المشاركة. فيصبح مصدر قوة لجماهير العمال وجماهير الحركة الوطنية وتسود روح الاجماع في مجال الحركة النقابية ونبذ كل اسباب الفرقة والتباين الحاصلة في الصعيد السياسي العام.
ان النضال ضد تهميش الطبقة العاملة وحركتها النقابية يتطلب موقفاً وطنياً حقيقياً لتحقيق وحدتها بعيداً عن التزوير والخروقات والتدخلات غير الشرعية من أي طرف كان، وذلك من اجل بناء اقتصاد وطني مزدهر وفتح افاق جديدة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، في كل مجالات الثقافة والمعرفة.. الخ. ان هذه المهمات الوطنية والديمقراطية تحرز إجماع كل اوساط الطبقة العاملة والطبقات والقوى الوطنية والتقدمية، وتصلح ان تكون منطلقا لنضالها الموحد في الساحة الوطنية الشاملة.
وعلى صعيد القضايا الطبقية، قضايا جماهير العمال والكادحين، وهي لا تنفصل عن القضايا الاجتماعية العامة، يتوجب على الحركة النقابية ان تكون اداة صالحة، وسلاحا فعالا، وفصيلة موجهة لجماهير الطبقة العاملة. كما يتحتم على هيئاتها ان تتحلى بالصفات التي تؤهلها لتحمل المسؤولية وكسب ثقة العمال وهذا شرط كل حركة نقابية تريد حقا ان تؤدي قسطا من رسالة الطبقة العاملة التاريخية.
ويجب ان تولي النقابات المزيد من الاهتمام لقضايا العمال اليومية، داخل العمل وخارجه، المعاشية والاجتماعية، الاجور وشروط العمل، الضمانات الاجتماعية والخدمات الصحية وقضايا السكن وكل ضروريات الحياة الانسانية. وان تلاحقها في مجال التشريع والتطبيق، وفي ساحة الممارسة النقابية الفعالة. وتلعب الممارسة النقابية الدور الاكبر، بالنسبة للمجالات الاخرى، في تقرير مصير القضايا المطروحة للمعالجة والتنفيذ، لانها تعتبر مصدر وجود الحركة النقابية ومعين بقائها والقوة الحاسمة في كل ما حققته، خلال مسيرتها الطويلة، وما ينتظرها من مهام مستقبلية. ويؤلف المجال التشريعي جانبا مهما من جوانب حياة الحركة النقابية، والبناء النقابي. فهو يوجد جو الشرعية، ويقر المكاسب المحققة، ويسهم في تحديد العلاقة بين العمال وارباب العمل ويفسح مجال لنضال جـماهير العمال لتوسيع الحقوق المشروعة ومقاومة شروط العمل القاسية الخ.
ورغم اهمية التشريع الفائقة فانه يمثل وجها واحدا للحركة النقابية حيث ان التطبيق يكتسب اهمية حاسمة. فكثير من القوانين التقدمية التي تقر حقوق العمال، تبقى مجرد قوانين تقدمية، قابلة لعدم التطبيق والتجاوز. وهنا يكتسب نضال العمال انفسهم ودفاعهم عن حقوقهم المكتسبة، والمثبتة بالقوانين، اهمية من الدرجة الاولى.