مجتمع مدني

منهجية مبتكرة لاستغلال العامل العراقي في القطاع الخاص / عبد المحسن محمود مزعل

طبقاً للمفهوم الاشتراكي إن مفهوم الاستغلال هو تفرد طبقة صغيرة في المجتمع الرأسمالي بالاستخلاص والاستحواذ على الجهد والقيمة المضافة من الطبقة العاملة، وهذا ما يسمى بسرقة المجهود البشري، ومحققاً صناعة استغلالية بشعة ومبتكرة احياناً وفق اختراق مركبات الحياة الاجتماعية والإخلال بموازين التعامل مع الطبقة العاملة لكونها في أكثر البلدان المتخلفة تعاني من انخفاض مستوى دخول الافراد ومستوى الاجور. ولما كان العمل يعتمد على الطاقة البشرية، فأن طاقة الشغيلة العراقية في القطاع الخاص مسلوبة في جانب المشاركة في معادلة الاجور وساعات العمل وإعادة ترتيب المعطيات وفق هذه المعادلة.
تمتلك الطبقة العاملة سلعاً جاهزة ومنتجة وذات قيمة أسوة ببقية المنتوج المتداول ضمن السوق وهو ما يعرف ب (قوة العمل). والمنتوج السلعي للعمال هو القيمة الحقيقية للعمل والمتمثل بطاقات العمل ومقدارها في ديمومة الحياة واستمرارها.
وتقترن ديمومة العيش على مقدار العمل المبذول خلال فترة زمنية محددة وبأجر محدد يتم التعاقد عليه، والعامل المتعاقد على ساعات عمل محددة كأن تكون ثمان ساعات يومياً يدفع له أجرها، لكننا نرى انه يكون مضطراً على العمل اكثر من ذلك وبالأجر المتفق عليه بسبب صعوبة ايجاد فرصة عمل اخرى في ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة الحالية، اذن المحصلة النهائية هي حصول العامل على أجر الساعات المتعاقد عليها ولا يحصل على أجر باقي الساعات الاضافية التي اشتغلها خارج هذه الفترة المخصصة للعمل. وهذا ما يعرف بفائض القيمة، والذي يعتبر عنصراً رئيسياً من عناصر النظام الرأسمالي (الخاص) والمتمثل في امتلاك كل وسائل الانتاج، ويظهر فائض القيمة في المرحلة الأخيرة من عملية الانتاج على شكل قيمة مضافة منظورة الى قيمة راس المال متمثلة بشراء قوة العمل من الطبقة العاملة وامتلاكهم وسائل الانتاج وبالتالي فرض شروطهم التعسفية على المتعاقد نتيجة صعوبة العيش والبطالة، لذا تبرز حالة فائض القيمة كحقيقة قائمة متجسدة في فائض المنتج.
لن تنامي واتساع ظاهرة الاستفادة من الحصول على فائض القيمة في القطاع الخاص في العراق بشكل مباشر او غير مباشر يأخذ أبعاداً كبيرة ومستفيداً من الواقع المفروض في العوز والبطالة وحاجة الانسان للعمل وبأشكال مختلفة في مختلف قطاعات العمل التجارية والخدمية والصناعية. فالاستغلال الكبير في اضافة عنصر الوقت المبكر والمتأخر عن ساعات العمل المحددة حقيقة ملموسة يتقبلها العامل على مضض، مضافاً له ضعف الرقابة في تطبيق التشريعات القانونية ذات العلاقة والتي تحمي مصالح الطبقة العاملة ساعد على انفراد اصحاب رؤوس الاموال في وضع صيغ عرفيه محددة من قبلهم لتنظيم العمل ووقته وإدارته بشكل يساعد على امتصاص اتعاب العمل وتحقيق فائض قيمة يومي يضاف الى قيمة الارباح المتحققة جراء أنشطتهم التجارية والمهنية.
ان نظام الساعات الاضافية للعمل وتسديد اجوره ألغي منذ أمد بعيد في القطاع الخاص بعيداً عن تنفيذ قانون العمل النافذ وتم ابتداع طرق ووسائل تقيد العامل وتلزمه بالعمل ساعات طويلة نتيجة القيام بمنحه سلفاً مالية او عينية او مستلزمات حياتية اخرى تبقى في ذمة العامل يتم استقطاعها من راتبه لفترات زمنية طويلة ضامنين بذلك استمراره بالعمل وعدم الاعتراض على طول مدة ساعات العمل ابتداء من الساعات الاولى فجراً وحتى ساعة متأخرة من اليوم، ويجد العامل نفسه مضطراً للقيام بمهام عمله ايفاءً للديون المترتبة عليه!
ان استغلال ظروف العوز والحاجة للعمل والمعاناة الاقتصادية والمعيشية للعمال في القطاع الخاص بحاجة الى أكثر من وقفة والى اكثر من تشريع للتأكيد على تحديد ساعات العمل والشمول بالضمان الاجتماعي ونظام الصحة والسلامة المهنية للعاملين في القطاع الخاص ووضع الاسس الصحيحة لحماية حقوق ومصالح الطبقة العاملة في هذا القطاع ومراقبة تطبيق التشريعات الصادرة بذلك من قبل الجهات ذات العلاقة لتنسجم ومراحل التطور الحاصل في معايير العمل العربية والدولية ومنع الاستغلال التعسفي من قبل أصحاب العمل.
ان الطبقة العاملة العراقية بأمس الحاجة الى وضع الاسس الصحيحة والفاعلة في الرعاية الاجتماعية ورفع مستواها المعيشي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهي مهمة وطنية تتكفل بها كل مؤسسات الدولة وبشكل خاص التشريعية والتنفيذية.