اعمدة طريق الشعب

البعد الاستراتيجي لمعالجة الأزمة الاقتصادية في العراق / إبراهيم المشهداني

أضحت الأزمة الاقتصادية وتجلياتها الأزمة المالية إحدى مخرجات النظام الاقتصادي في اي بلد والقوانين الاقتصادية الفاعلة فيه ، لهذا لا يمكن النظر إلى هذه الأزمة باعتبارها ظاهرة طارئة غير قابلة للتكرار، خصوصا عندما تكون الفلسفة الاقتصادية للدولة مبنية على نظرية اقتصاد السوق الحر في إطار الليبرالية الجديدة وما يمتلكه بحسب نظريتها من عتلات خاصة قادرة حتما الى إعادة التوازن في الاقتصاد ومقاومة إي انحراف، والعراق في المنهج والتطبيق ليس ببعيد عن هذه القاعدة.
إن أية معالجة للازمة الاقتصادية ينبغي إن تنطلق من الأسباب الجوهرية المباشرة التي أدت الى وقوعها وليس الى افتراضات رغبوية مفرطة في التفاؤل، وهذا المنطق ينطبق على الأزمة الاقتصادية في العراق، وطريقة تحليل العوامل المؤدية الى الأزمة واعتماد مخرجاتها في معالجة الظاهرة بإبعادها الاقتصادية –الاجتماعية.
ولا بد من الأخذ بالاعتبار، في أية محاولة من هذا النوع، تصورات المراجع الحكومية المسؤولة مباشرة عن إدارة الأزمة والبحث عن الحلول الناجعة وفي مقدمتها وزارة التخطيط ، فتصريحات وزير التخطيط العراقي تنم عن تفاؤل واضح في تجاوز الأزمة الاقتصادية حيث يؤكد ان العراق قد تجاوز المرحلة الاقتصادية الأخطر بعد انتهاء النصف الأول من عام 2016 معتمدا على طائفة من العوامل وفي مقدمتها قرض صندوق النقد الدولي الذي لم يبشرنا حتى ألان بتحويل الدفعة الأولى من القرض الذي يستمر ثلاث سنوات وكذلك مؤشرات زيادة أسعار النفط وهي مجرد توقعات للاقتصاديين قد تكبحها عوامل سالبة لهذا التفاؤل، وأخيرا الأمل في نبذ الصراعات السياسية وعودة النازحين واجراءات حكومية لمعالجة الأزمة .
لكن الوقائع على الأرض وبحسب معظم المتابعين لتداعيات الاقتصاد العراقي لا تجد في القروض الخارجية مع ما فيها من اشتراطات قاسية وتدخلات في المنهج الاقتصادي الوطني ما تدعو الى التفاؤل في تقديم معالجة لحل الأزمة الاقتصادية لان اساس الأزمة بنيوي له صلة مباشرة بالطابع الريعي للاقتصاد الذي يتسم بإهمال كبير للقطاعات الإنتاجية الأساسية في الاقتصاد من صناعة وزراعة وخدمات وبناء وتشييد وميزانية مثقلة بالإنفاق وانخفاض في عملية التراكم الرأسمالي. من عناصر الازمة ضعف المردود المالي للقطاعات الاقتصادية المذكورة وإهمال الصناعة التحويلية والبطء الشديد في اي تغيير فعلي وضروري في بنية الاقتصاد العراقي والفشل في توظيف الموارد المالية المتأتية من تصدير البترول في إيجاد مصادر تمويل ثابتة ومستقرة .
وللبحث عن معالجات حقيقية لهذه الأزمة يتعين على المؤسسات الحكومية ذات العلاقة ومن بينها هيئة المستشارين في مجلس الوزراء ووزارة التخطيط بما تمتلكه من كوادر متخصصة في التخطيط الاقتصادي والسياسات المالية والنقدية إن تعمل على إعادة النظر في المنهج الاقتصادي العام الراهن ووضع القواعد العلمية لإستراتيجية تنموية مستدامة تأخذ في الاعتبار الأتي :
• إيجاد نوع من التوازن وتنظيم العلاقة بين مبدأ السوق الحر الاجتماعي وبين تفعيل القطاع الحكومي في ظل سياسة اقتصادية – اجتماعية تأخذ بنظر الاعتبار الاهتمام بالشرائح الاجتماعية الفقيرة عن طريق التوزيع العادل للثروة .
• تنشيط المشاركة بين القطاعات الاقتصادية العام والخاص والمختلط والتعاوني في تأمين البنية التحتية للنشاط الاقتصادي والتنمية الوطنية .
• إيجاد رؤية واضحة لتفعيل النشاط الاستثماري الوطني والأجنبي مقترنة ببرنامج اجتماعي يستوعب العمالة العراقية وحماية المستثمر الوطني من هيمنة الاستثمار الأجنبي ووضع التشريعات الفاعلة لتنمية هذا النشاط .
• إجراء تغييرات عميقة في أسس النظام الإداري وخاصة الإدارة الاقتصادية وتحديثها باستمرار على أسس علمية وتأمين الرقابة الشاملة على النفقات لمواجهة الهدر والفساد المالي الذي يلتف على الموارد المالية المتاحة عبر إجراءات وقائية ومباشرة .
• وضع وتنفيذ سياسات مالية ونقدية وضريبية تأخذ بنظر الاعتبار مستويات الدخول لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية