اعمدة طريق الشعب

أنت طبيب ..إذن انت مطلوب دم ؟ / د. أكرم الحمداني

برزت منذ سنوات ظاهرة الاعتداء على الأطباء والطبيبات، وهي ظاهرة مصاحبة ومؤشر واضح للانفلات الامني السائد الحالي في بعض مناطق بغداد والمحافظات وغياب السلطة الحقيقية للدولة ومؤسساتها, وتمثلت هذه الأفعال في طلب الثأر من طبيب او طبيبة نتيجة خطأ طبي حقيقي او غير حقيقي وغير موجود الا في عقول أهل المريض.
واليوم تجد على وسائل الاتصال الاجتماعي عشرات القصص والفيديوهات التي توضح بصورة همجية تعامل نفر من المحسوبين على العشائر برسم وكتابة مطلوب دم على بيوت بعض الأطباء وخصوصا ممن يتعاملون بالجراحة الطبية والعمليات الكبرى.
وعليه فلابد من وجود وقفة اعلامية، ورسمية رصينة ومؤثرة لهذه الظاهرة الخطيرة والتي ستؤدي بالتأكيد الى تدهور كبير في الخدمات الصحية في الكمية والنوعية جراء هجرة الأطباء من هذه المحافظة او تلك او ربما من البلد بالكامل .. فالأطباء الان بالتأكيد سواء أكانوا أطباء جراحين أو طبيبات النسائية والتوليد سيفكرون بالتوقف عن إجراء العمليات، وتحويل المريض الى الهند او ايران او الى اي بلد اخر.
وهذا بالفعل سيؤدي الى هلاك وموت الخدمات الطبية العراقية رغم وجود الكفاءة الطبية وغرفة العمليات وغيرها من المستلزمات!
وبالحقيقة فلم نسمع عن هذه الظاهرة في اي بلد أخر، وان حصلت فهي فردية جدا ولا تشكل ظاهرة يومية كما يواجهها أطباء العراق .. فالامر غريب ومستهجن حينما يقرر شخص متخلف من أهل المريض «ان الطبيب مطلوب دم»، ويخط الملثم بالبخاخ على باب بيته مطلوب دم! ثم يأتي متخلف أخر يقود دراجة بخارية وخلفه (عصابجي ) بمسدس ويطلق العيارات النارية على بيت الطبيب او الطبيبة وكأننا نعيش في زمن الكاوبوي وبصيغة WANTED.
وحتى هذا التصرف المخزي ربما يجد تعاطفاً من بعض الفئات الشعبية والرسمية من باب حسد العيشة من قبل المسؤول الفاسد ومن باب (حيل بيهم الأطباء) على المستوى الشعبي! نتيجة لتصرف بعض الاطباء وجشعهم وهم قلة بالتاكيد وليس كل الاطباء ولايجوز الخلط بين الطيب والسيئ.
نعم لا نخفي ولا نستر عيوب بعض الاطباء الجشعين وتعاملهم السيئ مع مرضاهم وسوء وضع العيادات الطبية وانتظار المرضى وتعامل البعض المادي واتفاقاتهم مع الصيدليات! ولكن هذا الامر بالتاكيد يمثل قلة قليلة ولا تمثل النهج العام للأطباء فهم ينحدرون من عائلات كريمة سعت الى تربيتهم وتفوقهم ولهم احبة وأصدقاء من كل الفئات.
لا ننكر وجود بعض ضعاف النفوس من الأطباء المحبين للمال قبل العمل وهذا الامر يمكن ان يعاد تقييمه من قبل نقابات الاطباء واطباء الاسنان والصيادلة والتي غاب دورها الحاسم في التصدي للجشعين في مختلف المهن الطبية مما يسيئ الى سمعة الاطباء عموما ووضع ضوابط وعقوبات تخص سحب الرخصة الطبية وغلق العيادة في حال وجود اي اهمال او مخالفة في المهن وهذا الأمر غائب أو خاضع للمجاملات، وبالمقابل فعلى النقابات الطبية وضع خطة عمل للتصدي لظاهرة الاعتداء على زملاء المهنة.
يجب وضع ضوابط وقوانين حماية المريض وكذلك حماية الطبيب ولا يمكن ترك الأمر للجهلة والمتخلفين ولغة السلاح للتعامل مع اناس آمنين في بيوتهم، نعم ان اخطأ الطبيب وثبت إهماله الطبي فهناك محاكم وطرائق قانونية توفر للمريض وأهله تعويضا اعلى وعقوبات مستحقة اكثر مما يسلكه هؤلاء القفاصة من المتخلفين.
لابد لوزارة الصحة والنقابات الطبية والإعلام والعشائر والشعب كله، ان يفكروا مليا في التعامل مع مَن امتهن هذه المهنة الشاقة والخطرة حاليا! فالامر لايحتمل السكوت ويجب التوقف عن هذا التطرف والعبث في معاقبة طبيب ربما لم يخطئ طبيا، فحالات وفاة تحصل بعد إجراء العملية والأسباب كثيرة جداً بعيداً عن تحميل الطبيب سبب تلك الوفاة.
يجب ان تكون هناك وقفة جادة لكل من له علاقة بهذا الامر والتوجه بحكمة وقوة وصرامة لمن يحاول ان يعبث بحياة الناس وان يقرر معاقبتهم بلا قضاء ولا قانون ولا اية مسؤولية.
على الجميع التصدي لهذا الوضع المزري وإلاّ ستبحثون عن عملية ختان أولادكم في مستشفيات دول الجوار! او إجراء عملية قيصرية لنسائكم في مستشفيات الهند او بنغلادش!