اعمدة طريق الشعب

الصناعات البتروكيمياوية في العراق واهميتها / إبراهيم المشهداني

إن وجود اقتصاد عراقي متين ومتوازن وقادر على الثبات ومواجهة الأزمات الاقتصادية المنعكسة عن الاقتصاد العالمي الذي يعاني الأزمات الدورية، لا يستقيم إلا بوجود قاعدة صناعية إستراتيجية وطنية فعالة ومن ضمنها الصناعات البتروكيماوية .
إن ما يساعد على قيام هذه الصناعات ونموها وتطورها هو وفرة موادها الأولية بشكل كاف دون الحاجة إلى استيرادها من الخارج، بالإضافة إلى ان طبيعة السوق العراقية وحاجتها إلى منتجات هذه الصناعة يجعل من الطلب على منتجاتها ثابت المرونة وانطلاقا من ذلك اهتمت الحكومات العراقية ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز بوضع المقدمات الأساسية لهذه الصناعة وتجسدت نتائجها في تأسيس الشركة العامة للصناعات البترو كيمياوية في عام 1977 لتتولى الإشراف على مجمع البتروكيمياويات في الزبير المتكون من مجموعة من المعامل ذات الإنتاج المتنوع لتعتمد في إنتاجها على المنتجات النفطية والغاز الطبيعي لتصنيع المواد الأولية التي تدخل في صناعة المواد البلاستيكية .
لقد نجح العراق في إقامة صناعات بتروكيمياوية رائدة تتمتع بقدرات تنافسية عالية في الأسواق العالمية وهذا الانتعاش لم يرق للقوى المضادة لهذه الصناعة في الداخل والخارج وساهمت في منع منتجاتها من النفاذ الى الأسواق العالمية وخاصة الأمريكية والأوربية. وقد كانت هذه المواقف ابرز التحديات التي واجهت هذه الصناعة الإستراتيجية التي امتدت إلى ما بعد عام 2003 حيث كان الإهمال الحكومي قد فتح الأبواب أمام قيام العابثين بسرقة الكثير من معدات المجمع المهمة وتخريب قاعدته التحتية. وهذه الأجواء وضغوط العامل الخارجي فرضت إتباع عقود المساطحة بدعم حكومي وخاصة من قبل وزارة الصناعة اتي تخلت عن اي دعم لتأهيل هذه المصانع.
ولم تتوقف التحديات التي واجهت الصناعة عند إهمال الدعم الحكومي بل ذهبت الى تفتيت القوى الإنتاجية في هذه الصناعة وضياع الخبرات الفنية التي تراكمت منذ بدء أولى بواكير عمليات التشغيل نتيجة لتوقف الإنتاج مما أدى إلى إضعاف قدراتها التنافسية تجاه منافسة الصناعات المماثلة في دول الإقليم التي وجدت تأييدا ودعما من قبل بعض القوى المتنفذة ذات المصلحة في استيراد منتجاتها مستغلة حاجة السوق العراقية. ان تداعيات الإهمال الحكومي قاد إلى إبرام عقد مع شركة رويال داتش شل لإقامة مجمع البتروكيماويات في البصرة ليقوم على أنقاض المجمع الذي أقيم في منتصف السبعينات ، وحسب تصريحات وزير الصناعة السابق نصير العيساوي ان هذا المجمع سيكون من اكبر المجمعات في الشرق الأوسط ولكن لم تتضح حتى الان مخرجات هذا العقد وأي ملمح من ملامح التنفيذ بالمستوى الذي صرح به الوزير .
ان الأهمية الاقتصادية الكبرى التي تحظي بها الصناعات البترو كيمياوية في تعميم منافعها على بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى ، تتطلب إرادة حقيقة من أصحاب القرار في تجاوز حالات الإهمال غير المبرر طيلة الفترة الماضية و الحفاظ على قواها المنتجة وخبراتها المتراكمة وتأهيل كافة المعامل وإطلاق تمويلات إضافية من وزارة المالية ، والتوقف عن الإذعان إلى مسلمات نظرية كالخصخصة والتكيف الهيكلي الذي تروج له المؤسسات المالية الدولية ويحظى بموافقة بعض الاقتصاديين في الحكومة او توصيات المركز الدولي للضريبة والاستثمار بشان عقود المشاركة في الإنتاج التي تعتبرها الحل المناسب لتسهيل عملية النهوض بالصناعة النفطية وانعكاساتها على الصناعة البتروكيمياوية، وتفعيل دور الشركات ذات الاختصاص في عمليات الاستخراج والتكرير الموجه لهذه الصناعات وإدخال التكنولوجيا الملائمة لهذه الصناعة على ضوء تنسيق منظم بين وزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي – العلوم والتكنولوجيا وتعميق العلاقة مع مراكز الأبحاث الدولية المختصة في هذا النوع من الصناعات .