المنبرالحر

الشهداء لم يغادرونا إنهم في وجداننا/ د. علي الخالدي

الحياة تقاس بالزمن ،الذي يعيشه اﻷنسان ، وخلال ذلك يترك بصمات تفرض نفسها على ذاكرة الآخرين ولا تنسى ، خصوصا عندما يتعلق اﻷمر بالموقف الوطني عند اﻷختيار بين حياة يحدد شروطها من فقد وطنيته وإنسانيته ، وأصبح من الوحوش الكاسرة بهيأة إنسان ، وبين الشهادة ، وهو يستمر بالتعذيب ، و يتلذذ بسماع آهات المُعًذَب حتى ينال هوية ميلاد الخلود ، إن أمثال هؤلاء ، منذ تأسيس حزبهم قائمتهم تطول وتطول ، ولتزايد اعدادهم مُنح حزبهم لقب حزب الشهداء ، ﻷيمانهم بأن بشهادتهم سيُضاء طريق النضال الوطني للأخرين ، ويمنحهم الحياة الحرة الكريمة ، ،ويستمر طابور الشهداء لا ينقطع منذ أن إعتلى سلم الشهادة مؤسسه الخالد فهد و رفاقة اﻷبرار حازم وصارم هاتفا بأن الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق ، ونحن أذ نستذكر أستشهادهم ، وذاكرتنا لا تحيد عن الآلاف الشهداء ، الذين زرعت شهادتهم طريق اﻷمل في نفوس الملايين ببناء الوطن الحر والشعب السعيد ، و بأن الوطن فوق المصالح الذاتية ، "هيك عَلْمْنَ الحزب" على حد قول الشهيد سلمان داود جبو.

من ضمن هؤلاء من تعايشت معهم برفقة قصيرة ، منحوني خلالها أشياء خارقة للعادة ، جاعلين الوطن جسرا يربطني وذكراهم . أحدهم الشهيد الدكتور صباح الدرة الذي جمعتني به رفقتنا ، عندما كان عضو سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي( وفدي ) . لقد أشيد بصموده من قبل العديد من المناضلين منهم طويل العمر عبد الرزاق الصافي ، ببقائه بمقر جريدة إتحاد الشعب ليسهر على تأمين أماكن آمنة لحماية رفاقه من الهجوم البربري الصدامي على جريدة حزب الطبقة العاملة الحزب طريق الشعب الحزب الشيوعي العراقي . منحتني رفقته القصيرة ذكريات تفرض نفسها على ذاكرتي ولا تنسى. أتصف الرفيق الشهيد بسداد الرأي ، واﻹمكانية الخلاقة في تربية الكادر ، و بنظرة موضوعية لعامل الزمن ، معتبراً إياه قاسيا لا يرحم ، يجب علينا استغلاله لتحقيق ما نصبو اليه ، فهو لا يعطي الفرصة إذا أطلنا التفكير به ،كما كان يقول، الوقت لا ينتظر أحد سيمر، نشعر بسرعته لاحقا، وأي تأخر قد لا يوصلك لحلول ما سبق . كان يزيد اﻹهتمام بالرفاق الشباب ، يحثهم على ضرورة التواضع والتعود الى اﻷنصات للأخرين ، وعدم التطير من اﻷفكار المغايرة والمطروحة مهما كانت بدائية . لقد كانت رسائله المحملة بأخبار الوطن واﻷرشادات ، وأنا في كوبا مع مجموعة من شبيبة العالم ، ناصحا إياي استغلال الوقت لتعلم اﻷسبانية ، وفعلا تم ذلك بحيث استعضت عن اﻷنكليزية باﻹسبانية ، عاد للوطن بعد وصولي الى بودابست بأشهر، التقيته للمرة اﻷخيرة في مهرجان الشبيبة التاسع عام 1973 ببرلين الديمقراطية وكان هذا آخر لقاء بعدها بسنوات سمعنا باختطافه مع آخرين أواخر عام 1979 في حينه ، اتصلت بأصدقائه وزملائه في إتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي ، مطالبا اياهم بتوجيه نداء للنظام الدكتاتوري لمعرفة مصير المخطوفين وإطلاق سراحهم وسراحه ، هنا لعبت المصالح ، وتداخلت العلاقات السياسية فحالت دون التضامن مع شعب يضطهد وطنيوه يغيبون تحت التعذيب.
بعد عودته للوطن عام 1972 بأيام استقبلت من حل مكانه في سكرتارية اﻷتحاد ولم يكن سوى الشهيد فهمي الحكاك . الذي كان يؤكد على مبدأ يريده أن يتحقق ، يقول إذا اردت أن تخدم حزبك وبالتالي شعبك ما عليك الا أن تبدع في مجال عملك ، وأن يكون تواجدك اينما يكون من يحتاج لخدماتك ، يجب أن تصغي للآخرين، وان تمتاز نشاطاتك بالنوعية والكمية. المعركة اليوم كما كان يقول عند تصاعد الهجوم البعثي على الحزب هي معركة تثبيت الروح الوطنية ، التي تحتاج الى نهج فكري يؤمن بالديمقراطية في حياة الحزب الداخلية . ليته الآن بين صفوفنا ليرى ان تمنياته قد تحققت، فالديمقراطية قد تعمقت في حياة الحزب الداخلية بتعمق روحه الوطنية المتصلة بأبعادها الأنسانية والديمقراطية والإجتماعية بأماني وتطلعات شعبنا.
أما الرفيق الثالث الذي عايشته فهو إبن القوش الباسلة الدكتور سلمان داوود جبو الذي لبى نداء الحزب وترك الحياة المرفهة في الجزائر وعاد للوطن ليواصل النضال مع رفاقه من أجل عراق ديمقراطي وحكم ذاتي لكردستان . عندما اتصفح البوم الصور ارى شخصه ، فارضا شموخه على ذاكرتي ، المستعيدة لشريط الشهداء الذي لا يمحى.
كيف أنسى الشهيد هادي صالح ( أبوفرات ). تعرفت عليه عندما كانا يتدرب على طباعة اﻷوفست في المجر ، وبعد سنين وجدت نفسي أعمل معه في خلية حزبية بدمشق ، ثم أفترقت عنه لألتقي الشهيد شاكر اللامي (أبو علي ) بطرابلس بليبيا ومع المحظورات اﻷمنية هناك ، إلا أن بجهوده واﻷخرين أتسع نشاطنا ، وكانت السفرات في الغابات للإحتفال بالمناسبات الوطنية السمة التي تجمع و تقرب أعضاء الجالية العراقية هناك ، لقد أستشهد هذان المناضلان وهم يسعون لترسيخ العملية السياسية التي جاءت بعد سقوط الصنم ، وإنقاذها من محاولات نحرها.
هؤلاء غادرونا جسديا ولكنهم لم يغادرونا فكريا انهم خالدون بوجداننا لطالما نسير على السكة التي ستقودنا الى تحقيق الغرض الذي أستشهدوا من أجله ، الوطن الحر والشعب السعيد.
الخلود لشهداء حزبنا اﻷبرار