المنبرالحر

حكايتي مع «اتحاد الشعب» في الزمن الجميل / فاضل العبودي

شهد عام 1959 الصدور العلني للجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي «اتحاد الشعب». وعند وصول عددها الأول (50 نسخة) الى مكتبة الغراف (في الشطرة) لصاحبها الراحل عبد الحميد ناصرغمرت ابناء المدينة الفرحة خاصة منهم الشيوعيون وأصدقاؤهم. وكنت في وقتها اعمل في المكتبة وعمري 11 عاما وعلى الفور استلمت قسماً منها وقمت بتوزيعها وبيعها في أسواق وشوارع ومقاهي المدينه وكنت أصدح بصوت جهوري(أقرأ اتحاد الشعب، صوت العامل والفلاح). ولقيت أقبالاً شديداً على أقتناء الجريدة من قبل الكسبة والعمال قبل المثقفين، ونفذت الأعداد وعندما عدت الى المكتبة لأتزود بأعداد أخرى وجدتها نفذت أيضا.
لذلك طلب صاحب المكتبة زيادة ما يتسلم من النسخ حتى وصلت الى 200 نسخة في الوقت الذي كان الى جانبها العديد من الصحف، والتي كان أكثرها رواجآ يبيع 30 نسخة فقط، مثل «البلاد» و»صوت الأحرار» و»الأهالي» و»الجمهورية».
ولي مع «اتحاد الشعب» مواقف لا تنسى..
الموقف الأول.. عامل بناء..
كان هناك عامل بناء بعد الانتهاء من عمله عصرآ يأتي الى المكتبة لشراء نسخة من «اتحاد الشعب». وفي كل مرة يجدها نافذة فقال لي سأعطيك ثمنها مقدمآ لتحجز لي عدداً كل يوم. وفعلآ تم ذلك فكان سعيدآ وملامح الغبطة بادية عليه.
الموقف الثاني.. ثلاث معلمات وثلاثة اعداد
وصل عدد المشتركين عندنا في الجريدة الى 150 مشتركاً وعندما تحولت للعمل في مكتبة النور لصاحبها ألراحل نعيم الشطري, كان ضمن المشتركين ثلاث معلمات من الحلة كن معينات في أحدى مدارس مدينة الشطرة وساكنات في بيت واحد. وكنت أجلب لهن الأعداد في كل يوم. وفي أحد الأيام كان هناك طلب على الجريدة غير طبيعي بحيث نقصت عندنا الأعداد المحجوزة للمشتركين. لذلك قمت بايصال نسخة واحدة لهن، تلقفتها واحدة منهن وضمتها الى صدرها وهي تقول هذه نسختي وانت تتفاهم مع الأخوات.
كان جوابي أنتن في بيت واحد.. فسحبتني أحداهن الى غرفتها لتريني أرشيف الجريدة الذي عندها. وتبين لي ان عند كل واحدة منهن أرشيفاً للجريدة. وعليه طلبن مني أن أجلب لهن كل عدد من الجريدة والا قطعن اشتراكهن.
الموقف الثالث.. تصدر في بغداد وتمنع في المنطقة الجنوبية.
كانت تصدر في تلك الفترة أيضآ جريدة تسمى (الثورة) لصاحبها يونس الطائي، وتصل منها الى مكتبة الغراف خمسة أعداد فقط! وكانت هذه الجريدة تنفث حقدآ سمومآ على كل ما هو تقدمي، وبشكل خاص على الشيوعيين وحزبهم المناضل.. وقد التقى صاحبها بقائد الفرقة الأولى التي مقرها في الديوانية (عبد الحميد الحصونة) المعروف بعدائه هو كذلك وجعل من هذه العبارة عنوانا للشيوعيين . وأجرى معه مقابلة كان ما قاله فيها (أي جاهل خير من ألف مثقف شيوعي هدام) وجعل من هذه العبارة عنوانا في الصفحة الأولى من جريدته.
وبعد ايام ردت عليه اتحاد الشعب بكاريكاتير بمناسبة أسبوع النظافة وعندما شاهدها انتفض فقد نزلت عليه كالصاعقة. وبعدها صدر قرار الى الجهات الأمنية بمنع المكتبات وأماكن توزيع الصحف في المنطقة الجنوبية والفرات الأوسط بمنع بيع أو توزيع «اتحاد الشعب». وفعلآ جاءت الى مكتبتنا مجموعة من أمن المدينة وأبلغونا بذلك ووقع نعيم الشطري على كتاب الأبلاغ وفرضوا عليّ أن أوقع الى جانب توقيع صاحب المكتبة..
وعندما شاهد نعيم الشطري مدى حزني لهذا القرار الجائر قال لي: ما عليك، سوف لن تنقطع «اتحاد الشعب» وسوف تستلمها يوميآ من بيتنا بدل المكتبة وسوف توزعها على المشتركين.
وفعلآ تم ذلك فقمت بتوزيعها سراً بعيداً عن أعين رجال الأمن.