المنبرالحر

متى يستفيق نظامنا السياسي من سباته العميق ؟ / صادق محمد عبد الكريم الدبش

أستبشر الناس خيرا بعد الانهيار السريع للصنم ونظامه غير المأسوف عليه، بالرغم من ان ذلك حدث باحتلال أمريكي، ولم يكن في حسبان السواد الأعظم من الشعب بأن الأحتلال سينتج نظاما معاديا لتطلعات هؤلاء !...أو لنقل نظاماً غير ديمقراطي يفتقر الى المصداقية والأمانة والنزاهة والعدل والمساواة بين كل مكونات الشعب وتلاوينه ومناطقه، ولم يحقق الحد الأدنى من العيش الكريم (الخدمات شحيحة ...من كهرباء وصحة وتعليم، وأغلب المدن والقصبات العراقية من دون شبكات لتصريف المياه الثقيلة ومياه الأمطار، ولم يطرأ اي تقدم في تحسين طرق المواصلات في داخل المدن وخارجها، أما البطالة فقد تزيد اليوم على ما نسبته 30 بالمئة ما زادت في نسبة الفقر والفاقة وخاصة بين الطبقات الدنيا، مقرونة بالزيادة السكانية وغياب مشاريع بناء المدارس والمعاهد والكليات التي يجب ان تستوعب أعداد الطلبة الدارسين والذين هم في ازدياد مستمر، أضافة الى غياب وسائل الترفيه المختلفة للعوائل والشباب من كلا الجنسين، وتعثر تنفيذ مشاريع السكن لملايين الناس الذين ليس بمقدورهم الحصول على دار سكن لهم ولعائلاتهم نتيجة للفقر والبطالة وأرتفاع تكاليف البناء، اما الأهتمام بالأندية الرياضية والملاعب الرياضية والمسابح والنوادي ?دور الرعاية لذوي الأحتياجات الخاصة، ودور الايتام ورعاية الثكالى والأرامل والمطلقات وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم لهم، وكذلك الحريات العامة والحقوق المدنية والمساواة بين الجنسين والنظرة الدونية الى المرأة والتضييق عليها وسلبها الكثير من حقوقها بحجج واهية متخلفة وظلامية، والتي هي سمة من سمات النظام السياسي الذي قام بعد الأحتلال الأمريكي... وهذا بحد ذاته يحتاج الى الكتابة عنه في صفحات وربما الى تحرير كتب بشأن المرأة وما تعانيه من هضم لحقوقها وسلب لأدميتها وكرامتها ومحاولات لتجريدها من كل شيء وجعلها تابعة لأرادة الرجل، وما زال العراق يحكم بعقلية الحزب الأوحد والقائد الضرورة والطائفة الواحدة والدين الواحد والرأي الواحد، والوطنية والمواطنة وقبول الأخر والدولة العادلة فهي غائبة عن فلسفة وسياسة النظام السياسي، وهي موجودة فقط في الدستور العراقي المركون في كثير من بنوده وفحواه، وعند محاججتهم بكل هذه الخروقات والموبقات! يظهرون على شاشات التلفزة ووسائل الأعلام المختلفة ومؤكدين حرصهم زوراً وبهتاناً على الدستور والألتزام ببنوده.
منذ ما يقرب من عام، وثلث مساحة العراق بيد أعتى قوة أرهابية لها أبعاد وامتدادات إقليمية ودولية، والأرهاب يحصد أرواح العشرات يوميا وبمختلف الطرق ( عبوات ناسفة ..وسيارات مفخخة.. وأختطافات وأغتيالات يقوم بها الأرهابيون وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات التي تعبث بأمن البلاد والعباد.
أن مواجهة المشروع الأمريكي الغربي لتهديد وحدة شعبنا ووطننا، والتمييز بين مكوناته على أسس الطائفة والقومية، لا تعدو كونها أسفينا يدق بين هذه المكونات لتمزيق وحدتها وتماسكها، ومواجهته لا تكون بالتراشق الأعلامي وكيل التهم لهذا الطرف أوذاك وزيادة الشحن الطائفي والأثني وأثارة البغضاء والتمترس والأستعداد لأقصاء وألغاء البعض للبعض الأخر .
أن المنطقة تسير نحو المجهول ولن يتوقف هذا التدهور الذي يجري بمباركة أقليمية وعربية ودولية، وستزداد محنة المنطقة ويستمر الموت والدمار والخراب والجوع لسنوات أخرى أذا لم تعِ شعوبنا وقواها السياسية حقيقة الأمور، ومستلزمات الحل ليس لدى العامل الخارجي ( أقليميا وعربيا ودوليا ) بل من داخل بلداننا ومن رحم شعوبنا، وعلى الجميع ان تعي حقيقة ذلك وبأسرع وقت اليوم وليس بعد حين .
على نظامنا السياسي وكل القوى السياسية في السلطة ومن خارج السلطة والذين هم مع العملية السياسية، ومنظمات المجتمع المدني وشريحة المثقفين وكل الخيريين أن يكونوا في مستوى مسؤوليتهم ويحكموا ضمائرهم ويقفوا الى جانب العراق ..أرضا وشعبا ومؤسسات، وبكل مكوناته وأطيافه ومناطقه، أن يعيدوا النظر في بناء الدولة وعلى أساس المواطنة وقبول الأخر والتأسيس الى دولة مدنية ديمقراطية علمانية، دولة العدل والحق والمساواة، وأعادة بناء القوات الأمنية والعسكرية على أساس المواطنة الوطنية والخبرة والكفاءة، ورفدها بكل مقومات نجاحها عددا وعدة، وكذلك أعادة العمل بالخدمة الإلزامية والتي تشكل حجر الزاوية وترسخ مبدأ المواطنة، وقيادتها وادارتها من قبل أناس مشهود لهم بالنزاهة والخبرة والوطنة، وهذا وحده كفيل بهزيمة الأرهاب والأرهابيين، ويحقق العدالة من خلال تثبيت القانون والدستور والدفع لاحترامه وعدم خرقه .
والمسألة الأخرى وهي لا تقل أهمية عن سابقتها، ألا وهي أستيعاب الميليشيات والتي تنتظم اليوم بالحشد الشعبي، يجب أستيعابها في دوائر الدولة وحسب الحاجة لكفاءات ومؤهلات هؤلاء وحسب قدراتهم الذهنية والبدنية، ومن يصلح للأنتساب الى القوات المسلحة ويجتاز الفحص والشروط اللازمة لقبوله في صنوف هذه المؤسسة، وبذلك نكون قد أستوعبنا هذه الميليشيات وخلقنا جواً من التفاؤل والرضا عند هذه الشرائح وبنفس الوقت منعنا الظواهر المسلحة والأستعراضات المسلحة والتي نشهدها على طول العام.
وبصدد مجلس النواب، فعلى هذه المؤسسة المهمة والقائدة للسلطة التشريعية أن تسرع بتشريع القوانين التي تنظم سير العملية السياسية وبناء الدولة وعلى اسس عصرية وقانونية متحضرة، ومن هذه القوانين المهمة وهي كثيرة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قانون المحكمة الأتحادية ولكن يجب أن يتم أختيار أعضائها لا على أساس الحزب والطائفة والقومية والمنطقة والدين، بل على أساس الوطنية والنزاهة والخبرة المهنية والأدارية، لكي تكون مؤهلة للقيام بواجباتها على أحسن وجه .
وقانون الأحزاب وهو لا يقل أهمية عما سبق، والذي من خلاله ينظم عمل الأحزاب ونشاطها المالي والسياسي وانظمتها الداخلية والذي يجب ان ينسجم مع الدستور ومع مصالح البلاد العليا التي جاءت بالدستور الدائم .
كذلك قانون النفط والغاز والمنظمات المستقلة والتي يجب أن تكون مستقلة حقا وليس أسما فقط ولكنها تابعة لهذا الحزب اوذاك أو لهذه الطائفة أو تلك.
على القوى السياسية ان تتجاوز المحاصصة التي دمرت الدولة والمجتمع وأشاعت الفساد والأفساد المالي والأداري والسياسي،
وكذلك الخروج من عباءات الدول الأقليمية والعربية، وأن نكون وطنيين بأمتياز ومن خلال ذلك ستحترمنا هذه الدول التي تريد مصادرة قرارنا السياسي وتسلب وطنيتنا وتحت ذرائع طائفية ومصالح نفعية ولا تعود علينا الا بالضرر والشرر والكوارث، والرابح الوحيد هي هذه الدول التي توهمكم بحرصها على مصالحكم ومصالح بلدكم .
الجميع بأمكانه العيش مع الجميع في بلد يحترم الدستور ويدافع عن القانون، وتكون حقوق المواطنين مكفولة وكرامتهم مصانة، وسيعيش الجميع في بحبوحة وسلام، تجمعهم المحبة والتآخي والعيش، من دون كراهية وحقد وضغائن، مهما أختلفنا وتقاطعنا في كثير من مفاصل الحياة ولكن يجمعنا جامع واحد هو المواطنة والوطن والتعايش فيه وهو قدرنا ومصيرنا ولابد أن نجلس سوية ونتقاسم العيش بحلاوته ومرارنه، فهل الأحسن أن نبني دولتنا اليوم وعلى أسس رصينة ويحترم بعضنا البعض، ويقر الجميع بأننا وجدنا مختلفين في الدين والقومية والفكر واللون والسلوك قبل ألاف السنين واليوم وفي المستقبل أم نختار الموت والدمار والكراهية والألغاء والأقصاء ؟... ولكم الخيار يا عقلاء القوم .