المنبرالحر

ثقافة العتمة أضاءتها المظاهرات المطلبية / د. علي الخالدي

اعتادت حكومات بعض الدول اﻷوربية أن تطلب من شعوبها إطفاء المصابيح الكهربائية ، وإيقاف هدير مولدات الكهرباء والمكائن كي يتوقف استعمال الطاقة وانبعاث الغازات من المصانع والمعامل لوقت محدد ، في المدن والمناطق التي تحددها الحكومة . باﻹضافة لذلك ، يُحدد يوم في السنة ، يُطلب فيه عدم استعمال السيارات الخاصة في مراكز المدن إلا في الحالات الضرورية ، في اﻷولى تكون بالمئة اﻹستجابة 100 بدون تذمر ونفرزة ، حيت ليس هناك منطقة خضراء ولا حتى حمراء ، أما في الثانية فاﻹستجابة بتصاعد مستمر سنويا . عند قطع الكهرباء فترة معينة ، يسود الظلام المنطقة المشمولة بقطع الكهرباء لفترة محددة تبدأ خلالها الجهات المعنية بأعمال الصيانة ، وتقييم التوفير أﻷقتصادي الذي جنوه من عدم استعمال الطاقة ، ومردود ذلك على اﻷقتصاد وحماية البيئة ، أما عند عدم استعمال السيارات الخاصة ، فيقيسوا مردود توقف إهدار البنزين ، وإنبعاث ثاني أوكسيد الكربون ،على اﻷقتصاد والبيئة.
في عراق الدكتاتورية ونتيجة حروبها العبثية تحطمت البنى التحتية ﻹنتاج الكهرباء ، وعلى مضض تعايش العراقيون مع العتمة ، وبعد إسقاط الصنم ، فرحت الجماهير بالمكتسبات التي ستحققها لها اﻷحزاب اﻹسلامية . عند تسليم مقدرات البلاد لقيادييها ، الذين جاء بهم العامل الخارجي ، تقاسموا اﻹدارات اﻷمنية واﻹدارية بموجب نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية، فعملوا على كل ما شأنه أن يكون البرلمان سائرا بمشيئتهم ، وبدأوا يوعدوا بتحقيق منجزات ومن ضمنها الكهرباء ، حتى تصبح تصدر مثل النفط والتمر الى الخارج .
البتة لم يدر بخلد المواطنين ، أن من حمل لواء نصرة الدين أن ينكث بوعوده ، ويحولها الى سراب ، وأن يزيد العتمة ليس بتواصل تخريب ما كان ينتج منها ، وإنما سرقة ما خصص لها منذ إستلامهم السلطة ( 27 مليار دولار) ، ناهيك عن سرقة الملياردات اﻷخرى المخصصة لبناء البنى التحتية للخدمات المفقودة ، وبدلا من أن تصل الكهرباء للريف ويصدروا الفائض منها لدول الجوار ، فكروا بتعميم العتمة لتشمل عقول الناس ، فحجبوا عنها وسائل التحضر و التمدن بما فيها الفنون ، وحاربوا الثقافة ومراكز نشر الوعي ، لتسود العتمة لا الليالي فحسب ، وإنما فكر الكثير من الناس ، بإسم تدينهم الجديد ، وكأنما تحولوا الى دواعش داخلية .، وبهروا بنتائج شعاراتهم التي إستقطبت جماهير واسعة ، سارت وراءها تحت مخدر نصرة الطائفة ،الذي سهل عليهم ، و على محسوبيهم طرق سرقة المال العام ، وإستثماره لدى البلدان التي منحتهم الجنسية الثانية ، وعلى تجيير مردودات التغيير لصالح كتلهم وأحزابهم ، وإستمر إستخفافهم بعقول الناس، وعدم إحترام إرادتهم مدة أكثر من عقدين ،بالرغم من معرفتهم ، أنهم إمفتحين باللبن ، وإلا لما هللوا لسقوط الدكتاتورية ، وخصوصا من إعتاد على الحياة الخشنة والعتمة .
يقول أصحاب التندر أن حجب الكهرباء عن الشعب يقع في إطار نشر ثقافة التعتيم ، التي تبنى على حسابات وطنية يتصدرها الحفاظ على إستهلاك الطاقة ، وحتى لا تتضرر البيئة العراقية النظيفة، ومن هذا المنطلق أصروا على أبقاء محركات المصانع صامتة ، ﻹيقاف تواصل إنبعاث الغازات السامة منها ، ولكي لا تشكل ضوضاء محركاتها مصدر إزعاج مزاجهم وهم متنعمين بكهرباء على مدى 24 ساعة ، وخصوصا في تموز الذي يبخر الماء بالكوز ، وآب الذي يذيب المسمار في الباب ، حيث اعتادوا على الحياة الناعمة المرفهة التي وفرتها لهم دول اللجوء من دافعي الضرائب كي تتواصل مزاداتهم السرية لبيع الوزارات، وتوزيع كومشنات العقود الوهمية بين قادة الكتل فحسب ، ولذلك نرى التبديل المستمر لوزراء الكهرباء في التشكيلة الوزارية الواحدة . أما أزمة المياه فالعتب على دول الجوار التي جعلت بحيرات تربية أسماك الزينة تعاني من شحتها ،كما تعكسه البحيرة أمام بيت وزير خارجيتنا ، والتي تحولت الى مكب للنفايات ، والمسابح التي لا حاجة لأصحاب الكروش لها ، كي تتساوى معاناتهم مع الشعب في شحة مياه الشرب .
لقد تنازلوا عن حياتهم المرفهة في بلدان اللجوء وجاءوا لخدمة الوطن ، مع نية تحويل ما يسرقوه من المال العام لبنوكها أسوة بآثاره ، وهم مطمئنون ،حيث أن النزاهة عاجزة عن التحرش بها أو مسها ، وليبقوا متفرجين على ما تحصده المفخخات من أرواح بريئة ، وليتواصل تقديم الشهداء في سوح تحرير ارض من داعش .والمهجرون ينتظرون الفرج . فهل سيستجاب لمطالب المتظاهرين ، ويعاد ما سرق من الشعب ، وهل ستضيء المظاهرات العتمة التي شملت كافة اﻷصعدة ، ويبعد السراق ، ويبدأ ببناء عراق جديد مدني ديمقراطي فدرالي عابر للطائفية وأﻹثنيات ، سائر في طريق التقدم والتحضر؟ هذا هو التحدي.