المنبرالحر

ترابط الاصلاح الاقتصادي والسياسي / هاشم ذنون علي الاطرقجي*

أولاً: بعد عام 1972 تم تثبيت سعر الدولار بـ 3. 33 بالنسبة للدينار العراقي، اي ان الدينار يساوي اكثر من ثلاث دولارات امريكية واستمر العمل بهذا النظام لغاية 9/ 4/ 2003. وكان المستورد العراقي الصناعي والتاجر يعلم مقدما المبلغ الذي سيدفعه عند فتح الاعتماد المستندي وكذلك عند تسديد بقية قيمة الاعتماد بعد وصول البضاعة والمستندات الرسمية المصدقة من المجهز والجهة الحكومية في بلد المنشأ المصدر كوزارة الصناعة او وزارة التجارة حسب نظام بلد التصدير وكذلك مصدقة من السفارة العراقية/ الملحقية التجارية هناك.
وتقدم سلطات النقد الامريكية بضمان قيمة الاعتماد بالدولار للدول المرسل اليها الاعتماد المستندي من العراق بالدولار الامريكي وبالقيمة المثبتة بالاعتماد. اما اذا كان فتح الاعتماد بعملة قابلة إلى التحويل الدولي فتخضع قيمة الاعتماد عند الفتح وعند التخليص النهائي لسعر تلك العملة في البورصة العالمية المثبتة لدى البنك المركزي يوميا او اسبوعياً بالاضافة الى وجود فقرة في الاعتماد بعدم تسليم قيمة الاعتماد من قبل البنك المراسل في ذلك البلد المصدر لمدة 40 يوماً للتأكد من سلامة البضاعة المرسلة ومستندات الشحن.
وكل الاعتمادات التي ترسلها البنوك العراقية تكون عن طريق شعبة التحويل الخارجي في البنك المركزي العراقي لحساب كمية العملات الاجنبية المرسلة وكذلك انواع وكمية البضائع المستوردة ضمن المنهاج الاستيرادي السنوي المخصصة مبالغة للصناعة والتجارة والاستيرادات الحكومية لتسهيل عملية الاحصاء السلعي والنقدي ويشمل هذا الاجراء البنكي البضائع المصدرة من العراق للدول الاخرى.
ثانياً: بعد احتلال العراق في 9/ 4/ 2003، اصدر مسؤول سلطة الاحتلال في العراق الحاكم (برايمر) قراراً بالغاء شعبة التحويل الخارجي في البنك المركزي العراقي والاستعاضة عنها بمزاد العملة للدولار في مزاد البنك المركزي اليومي والسماح بفتح مكاتب الصيرفة لتحويل الدولار الى خارج العراق، وبهذا الغيت الخطة السنوية لمنهاج الاستيراد واصدار اجازات الاستيراد حسب المنهاج من قبل وزارة الصناعة (مديرية التنمية الصناعية ) وفق تقدير الحاجة وكذلك وزارة التجارة (مديرية الاستيراد والتصدير والمعارض) بالنسبة للتجار المسجلين والمصنفين لدى وزارة التجارة والغرف التجارية كل في مجال اختصاصه السلعي للبضائع وفتح الاستيراد على مصرعيه دون ضوابط ودون تصنيف ومن دون مستندات شحن اصولية ورسمية وقانونية والاعتماد على قائمة تجارية يجلبها المستورد مع البضاعة تحمل الكثير من الشك وعلامات الاستفهام، علما ان مزاد العملة في البنك المركزي هو الطريق الشرعي لتهريب العملة الاجنبية والمتاجرة واصبح استعمالها بتبييض الاموال الممنوعة وفق القوانين الدولية عن طريق تصدير البضائع للعراق من دون رقيب وحسيب وتحوليها بصورة رسمية وقانونية عن طريق البنوك كعملة شرعية اضافة الى توظيفها للاجرام والاعمال الارهابية واثبتت الايام ان (داعش) هو المستفيد الاكبر اضافة الى خرق القرارات الدولية بالحصار المفروض على بعض الدول وفق قرارات مجلس الامن الدولي.
ثالثاً: بعد صدور قانون البنك المركزي رقم 6 لسنة 2004 وانظمة المصارف الاهلية وكذلك انظمة مكاتب الصيرفة وعدم وجود قانون واضح وسلطة حاكمة في البنك المركزي والمصارف الحكومية والاهلية لمراقبة تبييض الاموال ومحاسبة المقصرين فان ذلك استغل من قبل المزورين والمرتشين والمهربين للعملة الاجنبية عن طريق مزاد الدولار في البنك المركزي من دون حسيب او رقيب بينما شعبة التحويل الخارجي الملغاة في البنك المركزي كانت صمام الامان للحفاظ على العملة الاجنبية من التهريب وعلى العملة الوطنية.
رابعاً: ان مزاد العملة بالدولار في البنك المركزي ادى الى تبييض الاموال واستيراد البضائع الرديئة للسوق المحلية وشجع على الاغراق السلعي الممنوع قانونياً اضافة الى التحايل بأسعار البضائع المستوردة وعدم فرض التعريفة الكمركية والاستعاضة عنها بقرار الحاكم المدني رقم (54) لسنة 2004 الذي ينص على العمل بتعليق الرسوم الكمركية واخذ رسم مقداره (5 )بالمئة لاعمار العراق على ان يبقى هذا القرار ساري المفعول لحين تشكيل الحكومة الوطنية وانتهاء عمل سلطة الاحتلال وجرى ذلك في 30/ 6/ 2004، تاريخ انتهاء العمل بالقرار (54) لسنة 2004، والرجوع الى قانون التعريفة الكمركية رقم (77) لسنة 1955 الموقع عليه في بروكسل من قبل الحكومة العراقية، لكن حكومة الدكتور اياد علاوي لم تنفذ قانون التعرفة الكمركية اعلاه وانما استمر العمل بأخذ الـ 5 بالمئة من قيمة البضاعة المستوردة كرسم اعمار العراق وليس رسم تعريفة كمركية خلافا للقانون ولم يحاسبه احد على ذلك.
خامساً: ان مزاد العملة بالدولار في البنك المركزي اوصل الاقتصاد العراقي الى طريق الافلاس والهلاك واستغل من قبل الارهاب (داعش) والخطف والقتل وتصفية الخصوم، وهذا ادى الى توقف الصناعة المحلية للقطاع الخاص والمختلط والتعاوني والقطاع الصناعي العام الذي يشمل (192) شركة لديها اكثر من (224) معملا ومنشأة صناعية وكذلك لدى القطاع الخاص الصناعي، حيث سجل باتحاد الصناعات العراقي اكثر من (40) الف مشروع متوقفة بنسبة مساهمتها من 6- 8 بالمئة من الناتج المحلي بعد ان كانت مياهمتها تزيد عن 30 بالمئة من الناتج المحلي وان توقف الصناعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك المشاريع الزراعية والاعمار ادى الى البطالة وعدم تشغيل الايدي العاملة واثر ذلك على الوضع الاجتماعي وتردي وضع العائلة العراقية ويوجد 6- 8 مليون عاطل حسب احصائية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فان نسبة البطالة 35 بالمئة من الايدي العاملة وهناك 20 / 25 بالمئة من العراقيين تحت خط الفقر وفقا لاحصائيات الامم المتحدة وحقوق الانسان والمنظمات الاقتصادية وخاصة بين خريجي المعاهد والكليات والجامعات وخاصة للاعمار من 18- 42 سنة بعد اكمال الدراسة العلمية اضافة الى بطالة العنصر النسائي التي تزيد عن ضعف الرجال وقلة اجورهن.
سادساً:ان احصائية منظمة العمل الدولية في جنيف والبنك الدولي للاعمار تثبت ان 60- 70 بالمئة من الايدي العاملة في دول العالم تشغلها المشاريع الصغيرة والمتوسطة الصناعية والزراعية والاعمار وان الناتج الصناعي لهذه الدول امريكا واليابان وبريطانيا من الصناعات الصغيرة والمتوسطة يشكل 80- 85 بالمئة من صناعة ذلك البلد وتعتبر بطالة الايدي العاملة في اي بلد ومنها الجمهورية العراقية وخاصة الشباب مورد دائمي واحتياطي للجريمة ومخالفة القانون وعنصر فعال للمنظمات الارهابية و (داعش خير دليل ومثل على ذلك ) بتوظيف الشباب من جميع دول العالم بسبب البطالة والجهل وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية والتطرف الديني والاثني وتوفير الاموال غير القانونية (السرقة وتبيض الاموال والتجارة بالسلاح والمخدرات والدعارة والتهريب والانقلابات).
سابعاً: لا توجد لدى الدولة العراقية او الحكومة خطة او برنامج اقتصادي او سياسي لتوحيد العمل في الوزارات الاقتصادية والتخطيطية او الخدمية وبين السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي من خلال مزاد العملة الذي ألحق الضرر الكبير بالاقتصاد العراقي بالاعتماد على حجج واهية يخدع بها الجماهير العراقية بقيامه بتثبيت سعر الصرف للدينار وايقاف التضخم بعيدا عن السياسة الاقتصادية للدولة وما السياسة التي اتبعها منذ تأسيس وصدور قانون البنك المركزي للعام 2004 سوى حماية المصارف الاهلية بدأ بالتأمين الليلي بنسبة ارباح تصل الى 20 بالمئة وكذلك السكوت عن تبييض الاموال بحجة انه ليس سلطة قضائية او بوليسية لمحاسبة المخالفين والمقصرين وكأنه يتلقى اوامره من دول اخرى لتثبيت مبدأ (جميع مبالغ واردات النفط السنوية يجب ان تخرج عن طريق الاستيراد والتحويل الخارجي. وان لا تستغل لتدوير هذه العملة في السوق المحلية للصناعة والزراعة والاعمار للنهوض بالاقتصاد وتشغيل الايدي العاملة)، اضافة الى تدمير وتحطيم قدرات الطبقة المتوسطة وامكانياتها الاقتصادية والاستثمارية والعلمية والثقافية وتضييق الخناق عليها لمغادرة العراق وتوظيف قدراتها الاقتصادية والعلمية والفنية للدول الاخرى وترك العراق سوقاً لبضائع الدول المجاورة والدول الاخرى من دون حسيب او رقيب وتدمير البنية التحتية بالاهمال وهروب المستثمر الاجنبي وعدم المساهمة بالحماية والعدالة الاجتماعية للمواطن العراقي وان ما يتبعه البنك المركزي لمزاد العملة هو اعطاء حصة للمصارف الاهلية ومكاتب الصيرفة:
1- لفتح الاعتمادات او الحوالات المستندية.
2- وكذلك تزويد المسافرين بالعملة الاجنبية.
3- ويكون السعر بالدينار العراقي كما يحدده البنك المركزي.
وبنظرة استقصائية لهذا النشاط نلاحظ ان البنك المركزي احال اكثر من 18 مصرفاً اهلياً للمحاكم ومنعهم من التصريف بحجة عدم تقديم ما يثبت فتح الاعتماد او الحوالات وعدم محاسبة الاشخاص الحاصلين على اجازة الاستيراد عن المبالغ المخصصة لمستورداتهم وهروبهم ومجهولية عناوينهم او الخوف على حيتانهم وكذلك مكاتب الصرافة واستغلال جوازات السفر للبيع والشراء في المصارف ان تثبت قيمة العملة الاجنبية (الدولار) منذ 1970 الدينار العراقي اكثر من ثلاث دولارات عند فتح الاعتماد المستندي او الحوالة المستندية للصناعيين والتجار المستوردين لدى المصارف وعن طريق شعبة التحويل الخارجي للبنك المركزي العراقي لغاية 9/ 4/ 2003، هو اكثر ضمان وامان وتثبيت لسعر الدينار العراقي ومنع تبييض الاموال او الاستيراد العشوائي واخضاع المستورد للمشاهدة والتدقيق في الحرم الكمركي وحصوله على الفحص والسيطرة والصحة والسلامة ورفد الاسواق المحلية بالبضائع الضرورية والمهمة والتي لا تنافس المنتوج الوطني المحلي وعدم اغراق الاسواق المحلية واستيراد ما يكفي لحاجة السوق المحلية لمدة عام واحد وفق مبادىء منظمة التجارة الدولية WTO الذي قبل العراق فيها كمراقب منذ عام 2004 لحد الآن واستيفاء الرسم الكمركي عن كل بضاعة مستوردة.
ثامناً: قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 والسياسة الاقتصادية والنقدية.. ان صدور قانون الاستثمار الاجنبي نهاية عام 2006 كان يهدف لتوظيف رؤوس الاموال الاجنبية لتطوير الصناعة والزراعة والاقتصاد الوطني وفق اسس منظمة التجارة العالمية بعد ان قبل العراق عام 2004 كمراقب في المنظمة لكن الاسبقيات والاسس التي استند عليها واضعوا القانون كانت غير عدالة ويشوبها الاستعجال وعدم الاستفادة من تجارب الدول العربية ودول الجوار المنضمة لهذه المنظمة العالمية وما التعديلات التي اجريت على هذا القانون الا دليل على صحة ما نقوله وما اثبتت الايام الاخطاء والعيوب التي رافقت هذا القانون من حيث الادارة والاهداف الاقتصادية والقانونية وتركيبة عناصره وشخوصه دون الاخذ بالوضع الامني والاقتصادي ووجد العراق تحت طائلة الاحتلال الاجنبي وما قامت به سلطة الاحتلال من مخالفة اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في سويسرا لمعاملة الدول المجتلة والتزام الدول التي قامت بالاحتلال بمبادىء وقواعد صلاحيات اصدار الاوامر والاجراءات وفق اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على تسهيل حركة سلطات الاحتلال من دون التدخل بالامور الاخرى للبلد المحتل في جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والدينية والاثنية ومنها مزاد العملة لدى البنك المركزي بدلا من فتح الاعتمادات المستندية لدى المصارف العراقية بتثبيت سعر واحد للدولار بصورة دائمية ولتطوير عمل هذه المصارف بتحقيق الارباح وتشجيع المواطنين على الادخار لدى المصارف الحكومية والاهلية بدلا من اكتنازها في البيوت والخزائن كما يحدث الآن من فقدان الثقة بالمصارف والخاصة الاهلية وعجزها عن تلبية طلبات المودعين بسحب اموالهم بالدينار العراقي او الدولار نتيجة سياسة البنك المركزي والفساد الاداري وتهريب العملة الاجنبية وتأكد ذلك من خلال المعلومات والادلة والوثائق التي تنشر الآن عن ادلة ومستندات وتحريات اللجنة المالية في مجلس النواب وملف الفساد بتحويل العملة عن طريق مكاتب والحوالات والصيرفة والبنوك الاهلية.
تاسعاً: منذ عام 2003 ولحد الآن لا توجد سياسة اقتصادية او مالية لدى الحكومات العراقية المتعاقبة لتوجيه واعتماد سياسة اقتصادية وتنموية لتعضيد ميزانية الدولة العراقية بالانتاج الصناعي والزراعي والتجاري للمساهمة الفاعلة بالناتج الاقتصادي الوطني وبدلا من ذلك اعتمدت السياسة العراقية على الموارد النفطية بنسبة 90- 95 بالمئة وما تبقى من الناتج المحلي واخضاع 60 / 70 بالمئة من الواردات النطفية للميزانية التشغيلية رواتب وخدمات ادارية والباقي للاستثمار الذي لم ينجز منه مشاريع صناعية او زراعية او اعمار لحد الآن. وابقاء العراق سوق لبضائع دول الجوار ودول العالم وهذا دليل واضح على عدم الرغبة والارادة السياسية لدى الوزارات المتعاقبة لبناء اقتصاد العراق بعد الحروب والخراب لمدة اربعون عاما ولا يوجد مؤشر الآن لتبديل واحلال سياسة اقتصادية عراقية.
ــــــــــــــــــ
* خبير صناعي