المنبرالحر

تفاقم البطالة وتداعياتها / ابراهيم المشهداني

تشكل البطالة في العراق الظاهرة الابرز في الظروف الراهنة، وانعكاساتها على السلم الاجتماعي وإهدار الطاقات البشرية وانتشار الامراض الاجتماعية ما يجعلها قوة احتياطية للإرهاب والجريمة المنظمة، ومادة سهلة لغسيل الادمغة التي يمارسها الارهابيون بأبشع اشكالها، مما يستدعي اتخاذ الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الملموسة لمعالجة جذورها .
ان مما يدعو للتوقف عند هذه الظاهرة الاخذة في الاتساع التي تقدرها بعض المصادر بنحو 50 في المائة من قوة العمل المتاحة القادرة على العمل والراغبة فيه والمسماة في المفهوم الاقتصادي بعرض العمل، والناتجة عن سياسة تعظيم الاستهلاك التي تبنتها دولة المحاصصة الطائفية الاثنية التي يسميها البعض دولة المكونات المتمثلة بتدني فرص العمل المتولدة عن فراغ التنمية وضياع مستقبل البلاد الاقتصادي، كقوة منتجة خارج حدود الريع النفطي وعدم وجود بنية تشغيل عالية لقوة العمل وبأجور كافية، هو تنامي ظاهرة الازمة الاقتصادية والمالية ا?تي تمر بها بلادنا وحزم قرارات التقشف التي اتخذتها الحكومة لتشمل الطبقة الفقيرة والمتوسطة على خلفية عملية فساد اداري ومالي بشع.
ان ظاهرة البطالة لم تأت من فراغ، فان السياسات التي اتبعتها الحكومات العراقية بعد عام 2003 والتي حددنا بعض معالمها في اعلاه ترجع الى اسباب عديدة ومن ابرزها تراجع الاداء الاقتصادي وفشله في تحقيق معدلات تنمية متقدمة والتي يقدرها الاقتصاديون بقرابة 2 في المائة وتقل عن معدل الزيادة السكانية البالغ 2,8 في المائة، والى تبديد ثروة العراق نتيجة انتشار الفساد الاداري الذي يتبدى بمشاريع وهمية غير منتجة او غير مجدية اقتصاديا مما لم يكن بوسعها استيعاب قوة العمل المتاحة بالإضافة الى خصائص القوة العاملة المفتقرة الى ?لتدريب وخاصة بين الشباب الذي يتطلبه سوق العمل في العادة والأثر السلبي للسياسة التجارية الاستهلاكية الذاهبة الى تحرير التجارة وانعكاساتها على القطاعين العام والخاص ، وتلكؤ عملية اعمار العراق التي لم تولد سوى 20 الف فرصة عمل اذا اضفنا الى ذلك كله ضعف فاعلية القطاع العام العراقي في توليد المزيد من فرص العمل بسبب تدهور شركات وزارة الصناعة والتوقف عن تأهيلها لأسباب عقائدية وإلغاء شركات التصنيع العسكري من دائرة التصنيع في العراق زائدا تفاقم ظاهرة النزوح من المحافظات والمدن التي احتلها الدواعش التي زادت على 3 ملا?ين شخص.
ان خطورة هذه الظاهرة تتجسد في تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في تهديدها السلم الاجتماعي والانحرافات السلوكية والأخلاقية التي تدفع بالشباب خاصة الى العالم السفلي عالم الجريمة المنظمة وتداول المخدرات في نوع من السوق السوداء المنظمة ، والتسرب من الحياة التعليمية وتفاقم ظاهرة الفقر التي تصل اليوم الى 70 في المائة الناتجة عن تدهور المستوى المعيشي.وتعاظم هجرة الطاقات البشرية المتعلمة والمتدربة وأصحاب المؤهلات العلمية والاهم من كل ذلك انتقال ألاف الشباب الى عالم الارهاب المهيئين بالضرورة للانسياق إلى?ميول التطرف الديني في الفكر والممارسة. من هنا يتعين على الحكومة اتخاذا استراتيجية اقتصادية اجتماعية لمعالجة الظاهرة قبل تحولها الى سلاح اجتماعي فتاك من خلال حزمة من التدابير نوجزها بما يلي :
تنويع الاقتصاد العراقي والتوجه الجاد الى القطاعات السلعية وإيجاد مصادر جديدة للتمويل خارج اطار الموارد النفطية.
توسيع الانفاق الحكومي على الخدمات والصحة والخدمات الاجتماعية خارج دائرة الانفاق الاستهلاكي البذخي.
تحفيز الاستثمارات الحكومية وجذب المستثمرين العراقيين خارج البلاد والمستثمرين الاجانب من خلال توفير المناخات الاقتصادية والقانونية واللوجستية وزيادة مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي.
تفعيل مكاتب التشغيل القائمة ومراكز التدريب المهني وتطوير مهارات العاملين في القطاعين الحكومي والخاص بما تتطلبه سوق العمل وبناء مرتكزاتها.
وضع خطة علمية وعملية لإعادة النازحين الى اماكنهم المحررة وتنشيط عملية اعمار المدن المحررة بالاعتماد على امكانياتنا الذاتية وإمكانيات المجتمع الدولي المتضامن مع قضيتنا، لدور العراق في مكافحة الارهاب نيابة عن العالم.