فضاءات

فيورباخ اليمني / كريم حيدر

الاحداث التي عصفت بجمهورية اليمن الديمقراطية في 13 يناير من عام 1986 والتي راح ضحيتها قرابة ال 12000 قتيل من خيرة كوادرهم. هذه الاحداث الدموية التي دامت اسبوعا ، سببت معاناة اضافية للمواطنين جراء انقطاع مياه الشرب منذ اللحظات الاولى للاقتتال . انقطاع الماء في بلد حار مثل اليمن يمتاز برطوبة عالية نسبيا ( احيانا تصل الى 90%) يضاعف من المعاناة بسبب الحر الشديد الذي يستوجب استهلاكا كبيرا للمياه .
لحسن حظنا كنا نملك اثنين من " الجليكانات " التي كنا نملؤها احترازيا ،لان انقطاع الماء والكهرباء في عدن كان من الامور اليومية. كان لدينا جار لديه زوجة وطفلتان وكان كثير التغيب عن البيت ولم نعرف سبب تغيبه وطبيعة عمله الا بعد الاحداث ، اذ تبين انه من رجال امن الدولة. المشكلة انه اختفى منذ اليوم الاول للاحداث واصبحنا بحكم النخوة والشهامة مسؤ,لين عن توفير الماء والطعام لعائلته ايضا.
في اليوم الرابع استهلكنا اخر قطرات الماء التي كانت بحوزتنا واصبحنا في حالة انذار وخرجنا من البيت رغم المخاطر بحثا عن الماء ، حيث سرت شائعات من ان المسجد الذي كان يقع في الحي الذي يقع خلفنا فيه بئرا للماء ، ولكن عندما وصلنا هناك وتم قلع غطاء البئر تبين انه مجمع للمياه الاسنة ذي رائحة تزكم الانوف ( هذا المسجد اصيب في اليوم الخامس بقذيفة اطاحت بجداره الخارجي وجزء من المحراب). في عصر نفس اليوم ذهبنا الى ساحة موقف الباصات والتكسيات لجلب الماء من نافورتها الصغيرة حيث وجدنا من سبقونا الى هناك ولم يتبق من مائها سوى القليل الذي كان عبارة عن خليط من ذروق الطيور وديدان صغيرة تستنجد طلبا للماء. في طريق عودتنا مررنا عبر الفندق المحاذي لوزارة الاعلام وبارها الذي كان يعج بالزبائن ووجدنا احد المعارف اليمنيين واضعا علبة كارتون اسفل قدمه وفيه بعض الزجاجات من الكحول وقلنا له " ايش هذا يا عبده ، فأجاب هذا ويسكي تشتو كم قارورة، فقلنا بلى نشتي فاعطانا قارورتين من الويسكي الفاخر جوني ووكر" قلنا احسن من ماكو ومضينا الى البيت. بعد ساعة وبينما كنا واقفين في البلكون نتابع الوضع واذا بنا نرى مجموعة من المسلحين بصحبة سيارة بيكاب يقومون بكسر مخزن الشركة العامة للتبوغ الواقعة تحت عمارتنا وقاموا بافراغ محتواه من السكائر واستطعنا بقدرة قادر ان ننتزع منهم كروصين من السجائر. لم يعوزنا في تلك الليلة سوى بعض الثلج والليمون والمشويات والوجه الحسن.
بتنا ليلتنا الرابعة دون ماء وفي الصباح الباكر سمعنا اشاعات تقول من ان الناس بدأو بالتوجه الى ميناء عدن لأخذ الماء الصالح للشرب من المراكب الراسية هناك، اخذنا الجيليكانات وتوجهنا مشيا الى الميناء الذي لايبعد عنا سوى مئات الامتار . في الطريق كنا نسمع اصوات طلقات نارية تأتي من جهة بعيدة من الميناء صوبنا الامر الذي دعانا الى توخي الحذر والسير بسرعة واحيانا مهرولين لتفادي العيارات الطائشة.
وجدنا في طريقنا جثة لإمرأة عجوز بدينة بعض الشئ تسبح في بركة من الدماء ملقية على الارض ويبدو انها توفت قبل دقائق جراء رصاصة طائشة. لم نستطع للاسف ان نقدم لها اي شئ سوى التأسف عليها لأنها كانت ميتة في مكان مكشوف.
المهم دخلنا الميناء وتوزعنا على عدة مراكب واستطعنا ملئ جليكان ونصف ولكن وبسبب سماعنا اطلاقات غزيرة بالقرب منا قمنا بالهرب عائدين من حيث اتينا . وبسبب الركض والخوف فقدنا نصف الماء الذي كان معنا ولكننا عدنا الى منزلنا سالمين.
فهمنا بعد قليل من ان سبب الاطلاقات الكثيفة التي سمعناها في ميناء عدن كان انزالا بحريا قام به اناس قبليون من اتباع الرئيس علي ناصر محمد جئ بهم من محافظتي ابين وشبوة لحسم المعركة.
هرعنا الى البلكون لمتابعة ما يجري واذا بنا نرى مجاميع من المحاربين القبليين ذوي اشكال وملابس غريبة غير مالوفة في عدن. وجوههم وملابسهم متربة وقذرة ولحاهم طويلة وهم مدججون بالكلاشنكوفات واشرطة العتاد حول اجسادهم. لقد كانوا باشكالهم المتربة تلك اشبه بجيش التيراكوتا الصيني الذين تم دفنهم مع الإمبراطور كين شين هوانج أول إمبراطور للصين، وصاحب فكرة بناء سور الصين العظيم.
كان المحاربون ذوو وزرات قصيرة بعض الشئ وتشبه كثيرا " الميني جوب " اي فوق الركبة بقليل، كما كانوا مزودين باحزمة كانت تستخدم لشد الظهر مع الرجلين مما يساعدهم على الجلوس طويلا من غير مسند.
نظرنا اليهم حيث قال احد الشباب العراقيين من اصحابنا هل تعتقدون ان هؤلاء ماركسيين ؟
فاجاب الاخر لا اظن ذلك فهؤلاء قبليون ولا اعتقد ان لديهم اية فكرة عن الماركسية.
ولكنهم يقاتلون تحت راية الحزب الاشتراكي اليمني؟
يا اخي ممكن يكون بسبب ولائهم لقبيلتهم او لاشخاص متنفذين داخل الحزب ولهذا اتو الى هنا.
قال اخر فلنسألهم ان كانوا ماركسيين ام لا حتى نحسم الموضوع،
يا اخي كن حذرا فهؤلاء مدججون بالسلاح
لا عليك سأتدبر الامر بطريقتي الخاصة وقام و نادى على احدهم:
يا اخ ... تعرف فيورباخ
ابو يمن – ايش تقول ؟
ابو عراق – قلت فيورباخ.. فيورباخ
اجاب ابو يمن – ما فيش ، قتال حتى النصر وقام بالتلويح ببندقيته
قال العراقي المتسائل – الم اقل لك من انهم ليسوا بماركسيين.
الخلاصة: لايمكن ان تكون ماركسيا ان لم تعرف من هو فيورباخ